أصدرت محكمة النقض – حكما في يهم ملايين المتقاضين بين الملاك والمستأجرين، يتعلق بإشكالية "إعلان الأحكام"، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية بشأن الأثار المترتب على إعلان الحكم لحارس العقار – التابع للمالك – الصادر ضد المحكوم عليه "المستأجر"، حيث تصدى الحكم لألاعيب المؤجر مع بواب العمارة لطرد المستأجر، وذلك في الطعن المقيد برقم 19257 لسنة 88 قضائية.
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت أن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون، والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن الحكم الابتدائي صدر في غيبته دون أن يحضر أو يقدم مذكرة بدفاعه، ولم يتصل علمه بالدعوى، وأنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع ببطلان إعلانه بالحكم الابتدائي الذي سُلِم إلى بواب العقار – التابع لمالكي العقار المطعون ضدهما - ولم يبلغه به.
النقض تتصدى لألاعيب مالك العقار مع "البواب" لاستلام حكم طرد المستأجر
وتابعت "مذكرة الطعن": وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن دفاعه واعتد بهذا الإعلان، ورتب على ذلك قضاءه بسقوط الحق في الاستئناف بمقولة إن المستلم تابع للطاعن معولاً في ذلك على الحكم الصادر بتاريخ 2 يوليو 2017 القاضي بصحة الإعلان الذي بُني على أقوال شاهدي المطعون ضدهما رغم أن شهادتهما تؤكد تبعية بواب العقار للمطعون ضدهما، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي سديد، ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن المشرع تقديراً منه للأثر المترتب على إعلان الحكم للمحكوم عليه وهو بدء مواعيد الطعن الأمر الذي حرص من أجله على إحاطته بمزيد من الضمانات للتحقق من وصوله إلى علمه فعلاً حتى يسري في حقه ميعاد الطعن عليه، فاستوجب في المادة 213 من قانون المرافعات إعلان الحكم لشخص المحكوم عليه أو في موطنه الأصلي حتى يتوافر علم المحكوم عليه بإعلان الحكم علماً يقينياً أو ظنياً دون الاكتفاء في هذا الصدد بالعلم الحكمي، وعنى مشروع قانون المرافعات رقم 13 لسنة 1968 - وعلى ما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون - بالنص على الإجراءات الواجب على المحضر اتباعها في حالة عدم وجود الشخص المطلوب إعلانه في موطنه.
الحيثيات: لا يتحقق إعلان الحكم عند تسليمه لحارس العقار
وبحسب "المحكمة": فنص على أن الورقة تسلم إلى من يقرر أنه وكيله أو أنه يعمل في خدمته ... ويشمل تعبير من يعمل في خدمة الشخص تابعه الذي يعمل لحسابه بأجر أياً كان نوع العمل الذي يؤديه إذ العبرة بتوافر رابطة التبعية بين من تسلم الإعلان والمعلن إليه لا بنوع الخدمة التي يؤديها التابع، وتقوم رابطة التبعية – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - متى كان للمتبوع على تابعه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه، كما في علاقة السيد بمخدومه ورب العمل بالمستخدم والحكومة بالموظف والمالك ببواب العقار، ويُعد الأخير تابعاً أصيلاً لمالك العقار، وكذلك قد يكون خادماً لجميع سكانها فيصح تسلمه صورة الإعلان بالحكم الموجه من الغير إلى أحد السكان، إلا أنه إذا كان المطلوب إعلانه بالحكم الصادر ضده مستأجراً في العقار الذي يملكه طالب الإعلان – المؤجر.
ووفقا لـ"المحكمة": فإن تسلم بواب العقار لصورة هذا الإعلان وتمسك المطلوب إعلانه – المستأجر – بعدم استلامه تلك الصورة منه لا يتحقق به الإعلان على النحو الذي يضمن وصوله إلى علم المعلن إليه لتعارض مصلحة المراد إعلانه – المستأجر – مع مصلحة مالك العقار – المؤجر - المتبوع الأصيل لبواب العقار، ولا ينتج تسليم الصورة إلى بواب العقار بذاته أثراً في بدء ميعاد الطعن في الحكم ما لم يثبت مالك العقار – المؤجر - تحقق الغاية من الإجراء عملاً بالمادة 20/2 من قانون المرافعات وهو استلام المستأجر لهذا الإعلان، وهو من الأمور الواقعية التي تستقل بتقديرها محكمة الموضوع متى كانت تستند في ذلك إلى أسباب سائغة لها مأخذها الصحيح في الأوراق.
ولا ينتج بذاته أثراً في بدء ميعاد الطعن بالاستئناف
وكان من المقرر كذلك أنه ليس في القانون ما يحول دون التمسك ببطلان إعلان الحكم بعد القضاء برفض الادعاء بتزوير ذلك الإعلان لاختلاف نطاق ومرمى كل من الطعنين عن الآخر، وكان من المقرر كذلك - في قضاء هذه المحكمة - أن أسباب الحكم تكون مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط أو ابتناء الحكم على فهم حصلته المحكمة مخالفاً لما هو ثابت بأوراق الدعوى ، ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم الواقعة التي ثبتت لديها أو استخلاص هذه الواقعة من مصدر لا وجود له أو موجود لكنه متناقض مع ما أثبتته.
لما كان ذلك - وكان الطاعن قد تمسك في دفاعه أمام محكمة الاستئناف بما ورد بسبب النعي من عدم اتصال علمه بالدعوى وبالحكم الصادر فيها، وأنه لم يتم إعلانه قانوناً باعتبار أن مستلم الإعلان – بواب العقار الذي يستأجر الطاعن إحدى وحداته - ليس تابعاً له وإنما تابعاً لمالكي العقار طالبي الإعلان، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر، وأقام قضاءه بسقوط حق الطاعن في الاستئناف لرفعه بعد الميعاد مستنداً في ذلك إلى الحكم الصادر من ذات المحكمة بتاريخ 2 يوليو 2017 برفض الطعن بالتزوير على إعلان الحكم الابتدائي وبصحته، مستدلاً من أقوال شاهدي المطعون ضدهما على تبعية مستلم هذا الاعلان – بواب العقار – للطاعن ودون أن يعرض لدفاعه ببطلان هذا الإعلان، في حين أن الثابت بإجماع أقوال الشهود إثباتاً أو نفياً أن عين النزاع مغلقة.
مبادئ قضائية بشأن تسليم الإعلان
فضلاً عما جاء بأقوال شاهدي المطعون ضدهما – طبقاً للثابت بمحضر التحقيق المقدم صورته الرسمية رفق أوراق الطعن – أن من عيّنَ بواب العقار مستلم الإعلان هما مالكا العقار، وأنهما من يسددان له أجره، وأنه يقوم بتحصيل الإيجار من المستأجرين لحسابهما، بما مؤداه أن بواب العقار تابع أصيل للمالكين، ويكون استلامه للإعلان بالحكم الابتدائي الموجه منهما إلى ساكن العقار – الطاعن – لا ينتج بذاته أثراً في بدء ميعاد الطعن بالاستئناف طالما لم يثبت المطعون ضدهما - المحكوم لهما - تحقق الغاية من الإجراء بتسليم الإعلان فعلاً إلى المطلوب إعلانه، ولم يطلبا من المحكمة تمكينهما من إثباته.
وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اعتد باستلام بواب العقار لصورة الإعلان بالحكم الابتدائي الصادر لصالح مالكي العقار المطعون ضدهما ضد الطاعن المستأجر في بدء ميعاد الطعن بالاستئناف، ورتب على ذلك قضاءه بسقوط حق الطاعن في الاستئناف، فإنه يكون قد شابه فضلاً عن الفساد في الاستدلال، الخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه.
تطورات جديدة ومهمة سيشهدها ملف الإيجار القديم
يشار إلى أن هناك تطورات جديدة وهامة سيشهدها ملف الإيجار القديم، وذلك بعد اعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.
وتعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر في الوقت الذي لاتزال تتوالى ردود الأفعال حول التعديلات المرجوة، الأمر الذي يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.