تناول زوجان في قرية دكما التابعة لمركز شبين الكوم حبوب حفظ الغلال، بهدف التخلص من حياتهما، لتراكم الديون عليهما، وتم نقلهما إلى قسم السموم بمستشفى شبين الكوم، ولكنهما فارقا الحياة، وبذلك تكون هناك 3 حالات انتحار خلال 48 ساعة بعد محاولة انتحار فاشلة أجراها الشاب مصطفى نور - على الهواء مباشرة – من خلال "بث مباشر" عبر هاتفه المحمول حيث قام بإلقاء نفسه من أعلى سور القلعة بمنطقة مصر القديمة، والآن يتلقى العلاج داخل أحد المستشفيات بمنطقة المعادي، حيث جاءت محاولة الإنتحار بعد أن تعرض خلال الفترة الأخيرة إلى بعض الأزمات النفسية في حياته تسببت في تكوين ضغط شديد عليه، وكانت السبب وراء تفكيره في الانتحار والتخلص من حياته – بحسب أقاربه.
مش مسامح أبويا هو اللي وصلني لكدا.. شاب يحاول الانتحار من فوق القلعة
الشاب "مصطفى" في بثه المباشر على "فيس بوك" أوضح، أنه حاول الانتحار من قبل من أعلى برج القاهرة في منطقة الجزيرة وسط القاهرة، لكنه فشل نتيجة الشروط الأمنية لصعوده برج الجزيرة، حيث يجب أن يكون برفقة شخص آخر، فقرر الشاب الذهاب إلى القلعة وإلقاء نفسه من أعلى سور القلعة على حسب وصفه في البث المباشر، قبل إلقاء نفسه، وتابع الشاب أن والده هو السبب في واقعة إقباله على محاولة الانتحار، قائلا: "مش مسامح أبويا هو اللي وصلني لكدا"، ثم ألقى نفسه من أعلى سور القلعة بمصر القديمة، وعلى الفور تم نقله إلى المستشفى.
وتتناول العديد من الفقهاء والدستوريين مسألة "الانتحار" من الناحية العملية والقانونية، والعقوبات المقررة حال التحريض عليه، بينما اختلف البعض حول مدى معاقبة "المنتحر" حال فشله في تنفيذ مخططه أم لا، وذلك حتى لا يعاود كرة الانتحار مرة أخرى بعد تطبيق العقوبة عليه أو عند محاولة اعتباره متهم، وذلك في محاولة لتخفيف وطأة الأسباب التي أدت إلى محاولة انتحارها، ومحو وإزالة الصورة التي رسمها في خياله للواقع الذي يعيش فيه.
لماذا لا يتطرق المشرع لعقوبة المتسبب في دفع شخص للانتحار؟
ولكن في الحقيقة لم يتطرق المشرع لمسالة عقوبة من يتسبب في وصول الشخص لأن ينتحر، أو بمعنى أدق إذا كان المنتحر ممن له الحق في ولايته ورعايته والمسئول عنه ولو بشكل مؤقت، حيث أن هذا الأمر به "فراغ تشريعي" داخل قوانين العقوبات المصرية والعربية، على الرغم من وجود تطور كبير في التشريعات العربية خلال السنوات الماضية، وذلك في محاولة لمواكبة الجريمة وانتشارها سواء كانت جريمة الكترونية أو جريمة تتعلق بالطفل أو المرأة وهي جرائم كان يغفل عنها المشرع قبل ذلك ثم تطرق تصدى لها مع ازديادها، والآن أصبحنا نواجه جريمة تهدد المجتمع الإنساني بصفة عامة.. والسؤال هنا لماذا لا يتطرق المشرع لعقوبة المتسبب في دفع شخص للانتحار؟
من جانبه – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض محمد ميزار - لم يتطرق المشرع لمسألة عقوبة من يتسبب في وصول الشخص لأن ينتحر، أو إذا كان المنتحر ممن له الحق في ولايته ورعايته، والمسئول عنه حيث أن هذا الأمر به "فراغ تشريعي" داخل قوانين العقوبات المصرية والعربية، والعقوبة تطبق من واقع الجُرم المرتكب علي كل شخص يمارس اضطهاد أو قهر أو احتقار أو سوء معاملة على شخص آخر أو تمييز بين ذكر وأنثي بصفة مستمرة أو على فترات متقطعة ينجم عنها أمراض نفسية وعصبية أو شعور بالاكتئاب والعزلة وفقدان الأمل والرغبة في الحياة وتدفعه للانتحار.
وبحسب "ميزار" في تصريح لـ"برلمانى" - وتغلظ العقوبة إذا وقعت تلك الأفعال ممن له حق الرعاية والتربية وحق الولاية وتكون العقوبة هي جريمة "قتل غير عمدية"، وهذا الأمر تكرر في المجتمع لأكثر من حادثة انتحار البواعث والدوافع خلفها هي اتساع فجوة التفاهم والاحتواء بين المنتحر وأفراد أسرته، ولطالما تحدثنا عن آفة اجتماعية شديدة الخطورة وهي الإهمال الأسري وهي أحد أهم الأسباب التي تنتهي حتماً بجرائم داخل محيط الأسرة، وهو الأمر الذى يحتاج منا تسليط الضوء عليه، نظرا لخطورة هذا الأمر في أن يقدم شخص على إنهاء حياته وبنفسه هروباً من واقع يراه مؤلماً وخذلان من المحيطين به.
"فراغ تشريعي" في القوانين العربية
ووفقا للخبير القانوني: وهذا الأمر من منطلق ما أوصت به منظمة الصحة العالمية بما وصفته تقييد وسائل الانتحار لمحاصرة ومنع المقدم عليه من تحقيق هدفه، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن الانتحار شكل السبب الثاني لوفاة فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 حيث يبلغ عدد المنتحرين سنوياً بحسب منظمة الصحة العالمية أكثر من 800 ألف شخص على مستوى العالم، الأمر الذي يمكن أن يشكل مأساة لملايين من الأشخاص المتصلين بهم بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويضيف: ومعظم الدول الغربية قد تقدمت على التشريعات العربية فيما يتعلق بالجانب المعنوي والنفسي وممارسة الضغوطات وسوء المعاملة سواء كان هذا الأمر بإتيان أفعال من شأنها أن تحدث ذلك أو بطريق الامتناع عن أفعال تؤدي نفس النتيجة كجرائم الإهمال الأسري والاجتماعي وخلافه، وأن كان قانون العقوبات المصري شأنه شأن كافة قوانين العقوبات في الدول العربية قد جرم الشروع في الانتحار، وكذلك التحريض عليه إلا أنهم جميعاً أغفلوا جريمة ما يعرف "الدفع للانتحار"، وهو أمر له ضرورة ملحه لمحاصرة وتقييد ومنع المنتحر من الوصول إلى هدفه.
عقوبة المحرض على الانتحار
وفى الحقيقة فإن القانون لم يجرم فعل الشروع في الانتحار، فإن من هانت عليه نفسه فلا وسيلة لعقابه، والقانون المصري لا يجرم الانتحار أو الشروع فيه، حيث أن هناك مشروع قانون يقترح معاقبة كل من يحاول الانتحار، ويجب تعديل التشريعات القانونية حتى يتم وضع كل من يحاول الانتحار تحت الملاحظة، وأن يتم علاجه النفسي ومعاقبة كل من يرفض العلاج، فالأعراف القضائية فسرت إزهاق الروح على أنها إزهاق روح شخص لشخص آخر، إذن فلا عقاب على الشروع في الانتحار وهذا لأمرين:
1- أن العقوبات لحفظ حق المجتمع وحمايته، والذي شرع في الانتحار لا يشكل فعله خطراً أو جناية على المجتمع.
2- انعدام القصد الجنائي وهو الركن المعنوي للجريمة من ناحية الإدراك الكامل والتام لخطورة الانتحار.
كما أن القانون جرم جريمة التحريض علي الانتحار لأنها تبث روح الاحباط والانهزام في نفوس المواطنين، لأن ما يفعله المحرض جريمة يعرض فيها اسمي شئ وهو جسد الانسان للخطر فإزهاق الروح بقتل الجسد سواء بالانتحار أو غيره يعد سلوك إجرامي معاقب عليه قانونا طبقا لنص المادة 177 من قانون العقوبات: "يعاقب بنفس العقوبات كل من حرض غيره على عدم الانقياد للقوانين، وذلك لقيام المحرض بتحسين أمر يعد جناية في القانون وهو التحريض علي الانتحار، كما يجب محاسبة كل من يبث أخبار كاذبة أو إشاعات من شأنها بث روح الاحباط لدى المواطنين، حتى نحد بقدر الإمكان من الانتحار.
أما عن الغرامات المالية
أما عن الغرامات المالية للذي فشل في تنفيذ انتحاره، فإنه لا يوجد نص في القانون يلزم الشخص الذي حاول الانتحار بدفع غرامة مالية أو غيره، لكن إذا أثبتت التحقيقات وجود شخص ساعد المنتحر أو حرضه على الانتحار، أو ساعده بأي شكل من الأشكال في تنفيذ ذلك، فإنه يعاقب عقوبة الاشتراك في جريمة القتل بالتحريض، حيث أنه في حال إثبات التحقيقات أن هناك شخص ما ساعد المنتحر على تنفيذ ذلك، فإنه يعاقب بالسجن من 3 سنوات إلى 15 سنة.
رأى قانونى أخر
بينما يرى أخرون من الفقهاء والدستوريين أن هناك فراغا تشريعيا بشأن الانتحار بصفة عامة، فلا يوجد تجريم للتحريض على الانتحار أو المساعدة على تنفيذه، أو الترويج للأفكار الانتحارية، أو الإلزام بالعلاج والتأهيل لمن يشرع في الانتحار على غرار العديد من التشريعات العربية والأجنبية، باعتبار إن أسباب الانتحار ليس لها أي علاقة بالتشريع من قريب أو من بعيد، وأن عقاب المشرع للمحرّض على الانتحار لن يؤثر على من ينوى التخلص من حياته، ولأن الشريك في عملية القتل وفقا للقانون، يستمد إجرامه من الفاعل الأصلي، فإذا كان الفاعل الأصلي هو المنتحر الذي أنهى حياته بيده، والانتحار ليس جريمة، فبالتالي الاشتراك بها سواء عن طريق التحريض على الانتحار، أو إلحاق الأذى النفسي بالمنتحر، سيعتبر قانونيا ليس جريمة أيضا.