لازال الجدل مستمرا حول حفل زفاف ابنة الكاتبة والباحثة التونسية ألفة يوسف، الذى أحدث بدوره جدلا واسعا في الوطن العربى بعد أن قررت هي وأم الزوج أن تشهدا على عقد القران، ليكونا بذلك أول امرأتان تشهدان على عقد الزفاف، ويكون المأذون فيه كذلك امرأة، ما أدى معه لحالة جدلية بين الرفض والتأييد للواقعة، لدرجة خروج البعض متهكما – على مواقع التواصل الإجتماعى – على ما حدث بالقول لماذا لا يكون العريس امرأة هو الأخر لتكتمل معادلة الحريات في تلك الزيجة، وتكون الأضلع الأربعة متساوية ومكتملة الأركان
البداية كانت بنشر الكاتبة ألفة يوسف عبر "فيس بوك" صور حفل الزفاف، وكتبت قائلة: "استطاع زوج ابنتي رامي أن يحقّق مقاصد الشّريعة، فجمع في عقد قرانه أربع نساء: زوجته (إيلاف)، وشاهدتين على عقد القران (أمّ العريس وأمّ العروس)، وضابطة الحالة المدنيّة الّتي عقدت القران"، وشهدت أم العروسة ألفة يوسف وأم العريس على عقد القران كسابقة في تونس، بعد أن توارث التونسيون عادة أن يشهد رجلان على الزواج.
هل عدم وجود رجل في الشهادة يبطل الزواج؟
ووفقا للقانون، وتحديدًا الفصل 3 من مجلة الأحوال الشخصية يشترط لصحة الزواج إشهاد شاهدين دون تحديد جنسهما ما يعني أنه لا يوجد أي شيء يمنع بالقانون أن يكون الشهود نساء. وبالتالي وفق القانون التونسي يحق للمرأة بمفردها أن تكون شاهدة على عقد الزواج مع رجل أو مع امرأة أخرى لكن نادرا ما طبّق هذا القانون نتيجة العرف الرافض لهذه الشهادة.
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الشهادة على عقد الزواج في التشريعات العربية، وذلك في الوقت الذى شرعت فيه الشهادة للحفاظ على الحقوق، وإثباتها، ولتكون عونا للقاضى للوصول إلى الحكم الصواب في القضايا التي يحكم فيها، وفى الزواج أيضا فقد اختلف الفقهاء في اشتراط الشهادة في عقد الزواج على قولين بين مذهب القائلين بأن الشهادة شرط صحة لعقد الزواج، ومذهب القائلين بأن الشهادة ليست شرط صحة لعقد الزواج.
خبير قانونى: الشهادة على عقد النكاح عند بعض المذاهب ليست واجبة
من جانبه – يقول الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى عبد الحميد رحيم – أن الإشهاد علي عقد الزواج أمر مختلف فيه بين المذاهب الفقهية التي استمدت منها قوانين الأحوال الشخصية في القانون المصري والدول العربية، فقد ذهب جمهور العلماء من المذهب الحنفي والشافعي والحنابلة إلي أن الشهادة شرط لصحة عقد الزواج وإلا يعتبر العقد "باطلا"، مستندين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل"، وذهب المالكية إلي أن الشهادة ليست شرطا لصحة عقد النكاح بل الشرط هو الأشهاد علي الادخال والاعلان وليس علي عقد النكاح، واستدلوا بما روي عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه تزوج بغير شهود ثم أعلن النكاح، ومن أجاز ذلك من المالكية اختلفوا في الوقت اعتبروها شرط عند الدخول وليس عند العقد.
الشهادة على الزواج في التشريعات العربية
وبحسب "رحيم" في تصريح لـ"برلماني": وما أثير من شهادة امرأتين في تونس علي الزواج فالقوانين العربية معظمها أو ضحت وجوب شاهدين رجلين لصحة الزواج، ومنها قانون الأحوال الشخصية الاوردني رقم 15لسنه 2019 حيث أجاز في المادة الثامنة منه شرط لصحة الزواج حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين، وقانون الأحوال الشخصية الاماراتي رقم 28 لسنة 2005جاء في المادة 48 منه علي شرط صحة الزواج حضور رجلين بالغين عاقلين، وكذلك قانون الأحوال الشخصية العراقي 188 لسنة 1959 جاء في المادة السادسة منه إلا ينعقد الزواج إذا فقد شروط الانعقاد ومنها شهادة شاهدي، وكذلك أيضا قانون الأحوال الشخصية الكويتي رقم 51 لسنة 1984 جاء في المادة 11 منه إن شرط صحة الزواج حضور شاهدين مسلمين رجلين، بل القانون المغربي المستمد من المذهب المالكي اشترط وجود شاهدين علي عقد الزواج.
الخبير القانونى والمحامى عبد الحميد رحيم
ووفقا لـ"رحيم": وحول الأمر المثار علي مدي المشروعية القانونية لشهادة المرأة علي عقد الزواج، فذهب جمهور الفقهاء إلي عدم جواز شهادة النساء علي عقد الزواج مطلقا سواء بوجود رجل أم عدم وجود، وذهب بعض الحنفية الي صحة شهادة النساء علي عقد الزواج بشرط وجود الرجل معهم، واستدلوا بأنه قد روي عن عمر رضي الله عنه أنه أجاز شهادة النساء مع الرجال في النكاح ولم ينكر عليه أحد من الصحابه ذلك فكان إجماع منهم علي الجواز.
مطالب بسن تشريعي يضمن حق المرأة بأن تكون شاهدا على عقد الزواج
وفى سياق أخر – تقول الخبير القانوني المتخصص في الشأن الأسرى والمحامية رانيا هيكل - بداءة الشرع حدد شهود العدل توضيحا كامل غير مبهم أو يحتمل رأيين وهو أن الشهادة إما رجلين أو رجل وامرأتان - قال تعالى - واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء"، وقال تعالى : "وأشهدوا ذوي عدل منكم" - صدق الله العظيم - وطبقا لمذهب أبي حنيفة والمطبق احكامه على الأحوال الشخصية في مصر فهو اعطى المرأة البالغة العاقلة حقها في إتمام عقد زواجها دون ولي ليها، وبالتالي باتت نتيجة طبيعية وصحية أن يكون الشهود رجل وامرأتان.
وتضيف "هيكل" في تصريحات خاصة – أما بالنسبة للصورة التي انتهجتها تونس بأن يكون السهود امرأتان فقط فأراه تصرف مغلوط مغاير لأحكام الشريعة الاسلامية بكل مذاهبها، كل ما سبق هو من الناحية القانونية والشرعية في مصر، والزواج في حقيقة الأمر ايجاب وقيول واشهار فوجود الشهود استكمالا لصحته، وليسوا سببا لبطلانه، وبناءا عليه بات وجود رجل وامرأتان كشهود صحيح ولكن لا أرى أن وجود امرأتين فقط كشهود صحيح، خاصة وأن الله سبحانه وتعالى حددها صراحة أن شهود العدل إما رجلين أو رجل وامرأتان وتطبيقا للقاعدة الشرعية إذا وجد النص بطل الاجتهاد، ولذلك نهيب بالبرلمان تعديل تشريعي يحقق حق المرأة بأن تكون شاهدا على عقد الزواج كما خولها الله سبحانه وتعالى دون زيادة أو نفصان.
الخبير القانونى والمحامية المتخصصة فى الشأن الأسرى رانيا هيكل
هل فعلا لا تجوز شهادة النساء على عقود الزواج؟
وفى سياق أخر – تقول الخبير القانوني والمحامية شيماء حسنى - عندما قامت الكاتبة التونسية ألفة يوسف بالشهادة على زواج ابنتها هي ووالدة العريس فتحت مناقشات واسعة فيما يخص عقد الزواج ومدى ضرورة أن يكون الشهود رجال أبرزها طرح السؤال هل فعلا لا تجوز شهادة النساء على عقود الزواج؟ وأرى أن تونس وهي الدولة التي تسابق الزمن في إثبات أحقية المرأة في كل مجالات الحياة وهي مما لاشك فيه لا تسلك الأمور الشكلية كما فعلت بعض المجتمعات بل اتخذت مبدأ الاعتراف بحقوق المرأة في المجتمع أساسا لكل التعاملات العامة والأمور الشائكة تتفرد بوجود عقد زواج بضابطة الحالة المدنية التي تعقد العقد وبشهادة إمرأتين.
توضح "حسنى" في تصريحات لـ"برلماني": والبعض اتهم تلك الزيجة بالبطلان لأنها خلت من الشهود الرجال، وبالطبع أصحاب ذلك الرأي يتحدثون عن عقد الزواج شرعا استنادا على أن شهادة المرأة طبقا للقانون التونسي وما جاء في الفصل الثالث من مجلة الأحوال الشخصية مخالف للشريعة الإسلامية، وفي الحقيقة الجدل المثار ليس قانونا ولا شرعا بل طبقا للاعراف السائدة في المجتمعات العربية الذكورية ليس إلا ففي الشريعة الإسلامية "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" - رواه ابن حبان والبيهقي وصححه الذهبي، وقال الله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم" - سورة الطلاق (2) - قال تعالى: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا" - سورة النساء (141).
الشهادة برجل وأمرأتين
وتؤكد الخبير القانوني: يعني الشهادة على الزواج خاصة غير محددة برجل أو أنثى إذا توفر في الشاهد الشروط الأخرى الهامة للشهادة على عقد زواج كالسمع والنطق والبلوغ والعقل والإيمان، فالشهادة هنا محددة ليشهد الشهود على أهم ركن في العقد وهو الايجاب والقبول والمهر، و بنظرة على القانون الجزائري نجد أنه في التعديل الاخير اكتفى بركن واحد في الزواج وهو الرضا بين الطرفين الايجاب والقبول وبقية أركان العقد تحولت لشروط، كما أن قانون الأحوال الشخصية السوري أجاز أن يشهد على عقد الزواج رجلين أو رجل وإمرأتين، والمادة /12 يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين مسلمين عاقلين بالغين سامعين الإيجاب والقبول فاهمين المقصود بهما، وبذلك نحن في تحول جذري في بناء المجتمعات فيتم تطبيق القوانين وإذا لم يكن هناك ما يمنع من شهادة المرأة فالعقد قد استولى شروطه وصحيح قانونا، كما لا يمنع أن تعقد المرأة عقد الزواج ومصر من الدول التي أصبحت فيها المرأة مأذونا شرعيا .
الخبير القانونى والمحامية شيماء حسنى
مأذون شرعى يدلوا بدلوه في المسألة
أما من الناحية الشرعية – يقول الدكتور بلال رمضان، المأذون الشرعي، والباحث والقانوني - للزواج في شرع الله عز وجل مكانة عظيمة فقد أسماه ربنا في كلامه بالميثاق الغليظ، ولذلك أولى فقهاء المسلمين عنايةً فائقة بهذا الباب من أبواب الفقه والعقود إذ أنه مقرونٌ بالأعراض والأنساب ودقائق شؤون حياة المسلمين ومعاشهم، وقد تنوعت مناهج فقهاء المسلمين الأعلام والمذاهب الأربعة في تعيين أركان الزواج الشرعي وشروطه، واستعان كل مذهب بأصوله ومدونته الفقهية ليبرز هذه الأركان والشروط استقاءً من كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأضاف "رمضان" في تصريحات صحفية - وحالة الزواج التي بين أيدينا تفتقر لجملة من الأركان والشروط التي اتفق عليها الفقهاء، ونص عليها صاحب الشريعة سبحانه في كتابه وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلم يذكر في هذا العقد وجود الولي الشرعي لتزويج المرأة وهو المنوط به تزويجها، لأن بيده عقدة النكاح كما في كتاب الله من سورة البقرة: "إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح." والولي شرط من شروط صحة الزواج واستدل العلماء بجملة من الآيات والأحاديث في ذلك منها قول الله سبحانه: "وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن"، والأمر بعدم العضل هنا موجه لولي المرأة الذي يحرم عليه منعها من الزواج ممن هو كفء لها.
القانون المصري يعمل بمذهب السادة الأحناف
وأشار المأذون الشرعى: بيد أن القانون المصري يعمل بمذهب السادة الأحناف الذين يجيزون مباشرة البالغة العاقلة زواجها بنفسها - بكرًا أم ثيبًا - فإن الأحناف إذ يجيزون ذلك فإنهم لا يقولون بإلغاء الولي، وإنما يجوز هذا وذاك، وعلى ذلك فعامة أهل مصر وغيرها من بلدان المسلمين والمسلمون في شتى بقاع الأرض، يستنكفون ويترفعون عن الزواج بدون ولي ويحتاطون لأنفسهم ودينهم خروجًا من الخلاف واستبراءً لأعراضهم وذممهم، مع الأخذ في الاعتبار أن الأحناف الذين أجازوا ذلك، قد أجازوا كذلك للولي في حالة تزويج المرأة نفسها بغير الرجوع إليه من غير كفء لها، من أن يفسخ العقد بدون الرجوع لها، ونوقش هذا كمقترحٍ لقانون بمجلس الشعب المصري يجيز لولي المرأة التي زوجت نفسها من غير كفء أن يفسخ العقد خلال عامٍ من العقد، ولم يصدر هذا القانون بعد.
والأمر الآخر المنقوص في هذا العقد أن الفقهاء اتفقوا بالإجماع على وجوب الذكورة في شهادة الزواج، فشروط الشهادة المجمع عليها الإسلام والبلوغ والعقل والذكورة، واختلف في شرط العدالة والاستقامة والخلو من الفسوق والمجون، أما توثيق الزواج على يد موثقة لا موثق، فهو أهون ما في الأمر، لأنه وإن كان فيه خلاف فإنه لا يؤثر على صحة العقد، والعقد هنا مخالفاته وبطلانه لا يتعلق بكون الموثق امرأة، وقد أجازت دار الإفتاء المصرية وغيرها عمل المرأة كموثقة للزواج الشرعي، إلا أن الأمر فيه خلاف طويل – الكلام لـ"رمضان".
المأذون الشرعى والباحث القانونى الدكتور بلال رمضان
شهادة المرأة في التشريع اليمنى
يشار إلى أنه "يشترط لتمام عقد الزواج حضور شاهدين مسلمين عدلين أو رجل وامرأتين وأن يسمعا كلام المتعاقدين أو الكتابة أو الرسالة أو الإشارة من الأخرس والمصمت"، هكذا نصّت المادة التاسعة من قانون الأحوال الشخصية اليمني، ووفقاً لقانون الإثبات اليمني، فإن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد كقاعدة عامة، وظن البعض خطأ أن القرآن يقر مبدأ أن شهادة المرأة هي نصف شهادة الرجل، واستدلوا على ذلك بأقوال فقهاء وأحاديث والآية القرآنية رقم 282 من سورة البقرة "واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى".