تعد مشكلة المساواة بين الرجل والمرأة من المشاكل الشائكة لا سيما فى المجتمعات والأديان التى تسمح للزوج بأن يجمع بين أكثر من زوجه، إذ يرى بعض الجهلاء من متصدرى المشهد هذه الأيام – بحجة المساواة - أنه ما دام للزوج أن يعدد الزوجات، فيجب الاعتراف للمرأة بدورها بالتعدد، وهو ما يخالف الدين والأعراف والفطرة البشرية.
والغريب أن بعض الدول العربية أثارت هذا الأمر - كما أنه قُدم فى شهر يونيو 2021 مشروع قانون فى دولة جنوب أفريقيا يجيز تعدد الأزواج للنساء، ورغم أن هذا القانون يلاقى اعتراضات حادة، ولكنها اعتراضات لم تواجه صميم المشكلة المتمثلة فى طبيعة الخلاف بين الرجل والمرأة واستحالة المساواة المطلقة بينهما لتعارض ذلك مع الفطرة البشرية، وإنما انصرفت الاعتراضات حول مسألة نسب الأطفال فى الأسرة المتعددة الأزواج.
إشكالية عقاب المرأة التى تجمع بين أكثر من زوج
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بعقاب المرأة التى تجمع بين أكثر من زوج فى القانون المصرى، وذلك فى الوقت الذى بدأت فيه تظهر على الساحة القانونية مشكلات من هذا النوع وهى مدى تجريم المشرع فى مصر لسلوك المرأة التى تجمع بين أكثر من زوج فى ذات الوقت، وهل هذا الفعل مجرم فى حد ذاته؟ للإجابة على هذا التساؤل ينبغى استعراض بعض النقاط الهامة وسوف تضح الإجابة من خلال هذه النقاط – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
فى البداية - من المعلوم أن الزواج عقد بمقتضاه يحل للرجل أن يطأ زوجته، فتستمتع به ويستمتع بها، ولا يشترط لصحة العقد أو انعقاد إفراغه فى محرر مكتوب، كما أن الدخول بالمرأة ليس من أركان أو شروط الزواج، وينسب تعدد الأزواج للمرأة أن تزوجت بأكثر من رجل، ولا يوجد فى القانون المصرى نص خاص أو مباشر يعاقب على تعدد الأزواج فى حد ذاته بالنسبة للمرأة، ولهذا يلجأ الفقه والقضاء إلى تطبيق نصوص الزنا الواردة قانون العقوبات - وفقا لـ"فاروق".
مدى جواز تطبيق نصوص مواد "الزنا" فى تعدد الأزواج
إذ نصت المادة 274 من قانون العقوبات على أن المرأة المتزوجة التى ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت، ونصت المادة 275 على أن يعاقب أيضا الزانى بتلك المرأة بنفس العقوبة، ونصت المادة 276 على أن الأدلة التى تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هى القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتب أو أوراق أخرى مكتوبة منه - الكلام لـ"فاروق".
نصوص الزنا لا تكون قابلة للتطبيق لمجرد إبرام عقد الزواج الذى حقق التعدد
وهنا يلاحظ أن نصوص الزنا لا تكون قابلة للتطبيق لمجرد إبرام عقد الزواج الذى حقق التعدد، إذ يلزم دوما حدوث الوطء أو بالأحرى الاتصال الجنسى الكامل، إذ ما دونه من أفعال الفحش لا يحقق جريمة الزنا، وذلك طبقا للطعن رقم 21392 لسنة 63 جلسة 24 أكتوبر 2001، كما أن مجرد إبرام عقد الزواج اللاحق لا يعد شروع فى زنا، إذ الزنا جنحة والقاعدة أنه لا عقاب على الشروع فى الجنح إلا بنص خاص ولم يعاقب المشرع على الشروع فى الزنا، بما يعنى أن تعدد الزيجات فى حد ذاته غير مجرم فى مصر اللهم إلا إذا اقترن بتزوير فى العقد أو حدث الوطء فعلا، إذ هنا فحسب تقع جريمة الزنا والتزوير، ولكن بشرط أن يكتب عقد بالزواج، فإن كان شفهيا فلا تزوير لعدم وجود محرر – هكذا يقول "فاروق".
تطبيق أحكام التزوير فى المحررات الرسمية "عقد الزواج"
هذا ولم يتردد القضاء فى تطبيق أحكام التزوير فى المحررات الرسمية، إذ ما تم توثيق الزواج الذى حدث بموجبة التعدد، إذ فى وثيقة الزواج يقر الزوجين بخلوهما من الموانع الشرعية بما يعنى تغيير الحقيقة فى بيان جوهرى مما أعدت وثيقة الزواج لإثباته، وكذلك الشأن فى الزواج بعقد عرفى غاية الأمر أنه عند التوثيق تنهض جريمة التزوير فى محرر رسمى وهى جناية، بعكس العقد العرفى فتغيير الحقيقة فيه بإثبات خلو الزوجين من الموانع الشرعية هو تزوير فى محرر عرفى.
ومن هنا يتضح الآتى أنه لا جريمة ولا عقوبة على المرأة التى تتزوج أكثر من رجل شفهيا حتى وإن كان أحد عقود الزواج مكتوبا أو موثقا، طالما أنه فى الزواج اللاحق على العقد المكتوب لم يتم الوطء فعلا، وهى نتيجة شاذة لا سيما عند الممارسة الجنسية التى لا تصل إلى حد الإيلاج الكامل، ولا سبيل لتداركها سوى تجريم تعدد الأزواج فى حد ذاته.