حقيقة العقد الصورى متفق في الجملة مع حقيقة "الحيل" المعروفة في الفقه الإسلامي، ولذا فإنه للوصول لحكم العقد الصورى لابد من الحديث عن حكم الحيل في الفقه الإسلامي، ومن هنا فإنه من خلال النظر والتتبع لكلام أهل العلم في هذه المسألة نلاحظ أنهم لم يجعلوا كل الحيل بمنزلة واحدة، وإنما فرقوا بينها، إذ أن الحيلة في ذاتها لا تذم مطلقا ولا تحمد مطلقا يقول ابن القيم في بيان ذلك: "..فإن الحيلة لا تذم مطلقا، ولا تحمد مطلقا، ولفظها لا يشعر بمدح ولا ذم، وإن غلب في العرف إطلاقها على ما يكون من الطرق الخفية إلى حصول الغرض بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة".
فإذا كان العقد الصورى لا يهدم أصلا مشروعا ولا يناقض مصلحة شرعية، وتم إجراء ذلك العقد الصورى إما للتخلص من المآثم للتوصل إلى الحلال، أو إلى الحقوق، أو إلى دفع باطل، ونحو ذلك فهذه العقود الصورية جائزة ولا حرج فيها، ومثل تلك العقود الصورية الجائزة كمن يريد أن يهدى غيره مثلا ويخشى أن يحرجه أمام الناس بذلك، فيعقد عقد بيع ظاهرى لئلا يظن أحد أن تلك السلعة مثلا كانت هبه، فالعقد الظاهرى هو عقد بيع لكن في الحقيقة هو عقد هبه لا بيع، أما إن كانت تلك العقود الصورية تتخذ للتوصل بها إلى محرم، أو إلى إبطال الحقوق، أو لتمويه الباطل أو إدخال الشبه فيه، وهى تلك الصورية التي تهدم أصلا شرعيا أو تناقض مصلحة شرعية فهى محرمة، وذلك كمن يعقد عقد بيع صورى على بيع أملاكه ليحرم الدائنين منها مثلا، وهذا النوع من الحيل وممنوعة في الشريعة الإسلامية على ما سبق الإشارة له.
البيع الصوري للأبناء.. مدى قانونية ذلك الفعل؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية البيع الصورى للإبناء خاصة وأن للعقد الصورى تأثير على حقيقة العقد، وهى من المسائل التي تكثر فيها الخصومات لدى المحاكم وقد يحصل فيها تجاحد بين أطراف القضية، نظرا لأن صورة العقد مخالفة لحقيقته فقد يستغل ذلك أحد الأطراف، وينكر العقد الحقيقى، ويتمسك بظاهر العقد، وفى كثير من الأحيان ما يطلب منك الموكل كمحامى عمل عقود بيع عقارت لبعض أولاده، وغالبا يكون الغرض منه حرمان بقية الأولاد من الميراث، وفي أحيان أخرى يكون الهدف، حماية الأبناء وتقسيم الممتلكات عليهم في حياة الوالد – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمد أحمد الشهير.
في البداية - مبدئياً هذا التصرف يُطلق عليه بـ"التصرف الصورى" وليس له أي أثر قانونى يذكر، لماذا؟ لأن البيع غير جائز بدون "دفع الثمن" وإلا أصبح هبة، والهبة لابد أن تكون مسجلة كى تكون صحيحة في مواجهة الغير، ولكن علينا الأخذ في الإعتبار، أنه إذا ثبت دفع ثمن في عقد البيع - حتى إن كان ثمن قليل - الصورية ستنتفى عن العقد، ولا يحق للورثة الطعن فيه، لأن العقد المستر سيكون استوفى أركانه – وفقا لـ"الشهير".
المشرع اعتبره لا أثر قانونى له
أما في حالة أن البيع بغرض تأمين الأولاد، وليس لحرمان بعضهم من الميراث، فلابد أن تنبه موكلك لنقطة في غاية الأهمية، تتمثل في الإجابة على السؤال كيف سيتم سداد ثمن العقارات المبيعة؟ يعني مثلا، لو الأولاد بالغين راشدين، اجعلهم يقوموا بتحويل مبالغ للحساب البنكي لوالدهم - عشان تثبت أن البيع حقيقي – وطبعا هذه الأموال تُسحب ويستردوها بعد ذلك، من ناحية تانية، لو "أنت وكيل عن حد من الورثة المحرومين، فمن حقك تطعن بصورية البيع، وتثبت الصورية دي بكل طرق الإثبات" – الكلام لـ"الشهير".
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في عدد من الأحكام أبرزها الطعن المقيد برقم 168 لسنة 18 قضائية، والذى جاء في حيثياته: "الوارث الذي يطعن في تصرف صادر من مورثه في صورة بيع منجز بأن حقيقته وصية، وأنه قصد به الإحتيال على قواعد الإرث المقررة شرعا اضرارها بحقه فيه، يجوز له اثبات هذا الإحتيال بأي طريق من الطرق القانونية".
طعن أخر
وكذا الطعن المقيد برقم 2267 لسنة 79 قضائية، والذى جاء في حيثياته: "إقامة الطاعنة الدعوى بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع الابتدائي الصادر إليها وللمطعون ضده الأول من مورثتهما وتمسكها أمام محكمة الاستئناف بأن ذلك العقد ساترا لهبة صادرة من المورثة، ودللت على ذلك بعدم سدادهما ثمن المبيع وأن المورثة اختصتها بالقدر الأكبر في العقار المبيع لرعايتها لها قبل وفاتها يُعد دفاع جوهرى، أما قضاء الحكم المطعون فيه وتأييده الحكم الابتدائي برفض الدعوى دون بيان التصرف في حقيقته بيع أم وصية أم هبة مستترة تحت تصرف آخر يُعد قصور وفساد في الاستدلال وخطأ.
الهبة المستترة في صورة عقد بيع
أما عن الهبة المستترة في صورة عقد بيع أجابت عنه محكمة النقض في الطعن المقيد برقم 2267 لسنة 79 قضائية، والذى جاء في حيثياته: "الهبة المستترة في صورة عقد بيع تصح متى كان العقد جامعا في الظاهر لأركان البيع اللازمة لانعقاده أي مذكورا فيه الثمن بطريقة غير نافية لوجوده ، وتحقق ذلك لا يغير منه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – وجود ورقة أو اكتشاف دليل بأى سبيل يكشف عن حقيقة اتجاه نية المتصرف إلى التبرع طالما توافر الشكل الظاهرى".