أصدرت الدائرة المدنية – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، أرست فيه عدة مبادئ قضائية عن التعويض في حوادث السيارات، قالت فيه: "تصالح المصاب في حادث سيارة لا يسقط حقه في الرجوع بالتعويض على شركة التأمين".
وتابع نصا: "إسقاط المضرور من حوادث السيارات لحقه في التعويض قبل المسئول عن الحقوق المدنية وإبرائه لذمته، لا يترتب عليه بالضرورة إبراء ذمة شركة التأمين المؤمن لديها من دين التعويض المستحق له - لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنين وإن تصالحا مع قائد السيارة المتسببة في الحادث وتنازلا عن حقوقها المدنية قبله في الجنحة سند الدعوى فإن أثر هذا التنازل لا يمتد إلى الشركة المطعون ضدها التي لم تكن خصما فيها وتظل ملتزمة بتعويض الطاعنين عن الأضرار التي حاقت بهما من الحادث المؤمن عليه إجباريا لديها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم جواز نظر الدعوى لتصالح الطاعنين مع المتهم وتنازلهما عن دعواهما المدنية قبله في الجنحة سند الدعوى فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يعيبه ويوجب نقضه".
النقض ترسى عدة مبادئ حول حوادث الطرق
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 553 لسنة 74 قضائية، برئاسة المستشار محمد خليفه البرى، وعضوية المستشارين أحمد جلال عبد العظيم، وأحمد كمال حمدى، وبحضور كل من رئيس النيابة عمرو عبد العزيز، وأمانة سر عبد الفضيل صالح.
الوقائع.. نزاع بين الورثة المتضررين وشركة التأمين حول التعويض
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنين أقاما على الشركة المطعون ضدها الدعوى رقم 6 لسنة 2002 مدني محكمة دمنهور الابتدائية - مأمورية كوم حمادة - بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي لهما مبلغ 300 ألف جنيه تعويضا عن الأضرار المادية والأدبية والموروثة التي لحقت بهما من جراء وفاة مورثهما في حادث سيارة مؤمن من مخاطرها لديها، وضبط عن تلك الواقعة المحضر رقم 19098 لسنة 2001 جنح كوم حمادة والتي قضي فيها بإدانة المتهم الذي استأنف برقم 3780 لسنة 2002 جنح مستأنف كوم حمادة، فقضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، وإثبات تنازل المدعي عن دعواه المدنية، وإذ أصابهما من جراء ذلك أضرارا يقدران التعويض الجابر لها بالمبلغ المطالب به فقد أقاما الدعوى.
وفى تلك الأثناء - حكمت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الجنحة رقم 3780 لسنة 2002 مستأنف كوم حمادة بحكم استأنفه الطاعنان لدى محكمة استئناف الإسكندرية - مامورية دمنهور - بالاستئناف رقم 2482 لسنة 59 قضائية، وبتاريخ 18 ديسمبر 2003 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقضه، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
الورثة المتضررين يتصالحون في الشق الجنائى
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن حاصل ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي بيان ذلك يقولان إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها بالحكم الصادر في الجنحة رقم 3780 لسنة 2002 مستأنف كوم حمادة على سند من أنه بتصالحهما مع قائد السيارة المتسببة في الحادث الذي تسبب في وفاة مورثهما يكونا قد تنازلا عن حقوقها المدنية الناشئة عن الحادث في حين أن ذلك التنازل لا تستفيد منه الشركة المطعون ضدها، ولم تنصرف إرادتها إلى إبرائها من هذا الدين وأنها لم تكن طرفا فيه كما أن الدعوى الجنائية تختلف عن الدعوى المدنية الحالية من حيث الخصوم والموضوع والسبب وهو ما يعيب الحكم ويتسوجب نقضه.
النقض تؤكد: تصالح المصاب في حادث سيارة لا يسقط حقه في الرجوع بالتعويض على شركة التأمين
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي سديد، ذلك أن المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع قد أنشا للمضرور من حوادث السيارات دعوى مباشرة قبل المؤمن بمقتضى المادة الخامسة من القانون رقم 652 لسنة 1955 - بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات المنطبق على واقعة النزاع - يستطيع بمقتضاها المضرور من الحادث الذي يقع من السيارة المؤمن من مخاطرها الرجوع مباشرة على شركة التأمين لاقتضاء التعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة لهذا الحادث، فكل ما يلزم لقيام مسئولية شركة التأمين عن تعويض المضرور، أن يثبت نشوء الضرر عن سيارة مؤمن عليها لديها مع انتفاء السبب الأجنبي، وسواء كان طالب التأمين هو المسئول عن الحادث أو غيره، وسواء كان هو المتولى حراستها أم غیره، فلا تلازم بين مسئولية شركة التأمين تجاه المضرور، ومسئولية مالك السيارة أو قائدها.
وبحسب "المحكمة": ومن ثم فإن دعوى المضرور المباشرة قبل شركة التأمين ليس باعتبارها مسئولة عن دين المسئول عن الحقوق المدنية الناشئ عن خطئه فحسب بل باعتبارها مدينة أصلية بدين ناشئ عن عقد التأمين، ومن ثم لا يلزم اختصام المضرور لمالك السيارة أو غيره في دعواه المباشرة قبل شركة التأمين، ومع التسليم بأن التأمين من مخاطر السيارات فيما يخص العلاقة بين الشركة المؤمن لديها وبين المؤمن له مالك السيارة هو تأمين من المسئولية المدنية التي قد تشغل ذمته من تلك المخاطر، ومؤدى ذلك أن حق المضرور من حوادث السيارات، في حقه في التعويض من شركة التأمين هو حق مستقل عن حقه في اقتضاء ذلك التعويض من المسئول عن اقتضاء ذلك التعويض من المسئول عن الحقوق المدنية، والذي قد يتعذر التعرف عليه أو الوصول إليه، فلا يبقى من سبيل أمام المضرور للحصول على حقه في التعويض سوى شركة التأمين، وهو ما هدف إليه المشرع، من تقنين هذا النوع من التأمين.
والحيثيات تؤكد: الشركة ملتزمة بالتعويض عن الأضرار بسبب الحادث المؤمن عليه "إجباريا"
ولما كان محل حق المضرور واحدا، وهو اقتضاء التعويض الجابر للضرر، وكان القانون قد أوجد له مدينين أحدها المسئول عن الحقوق المدنية والآخر هو شركة التأمين المؤمن لديها، وأعطى للمضرور الخيار في مطالبة أيهما بالتعويض، فإن استوفاه من أحدهما برئت ذمة الآخر، ولكن إسقاطه لحقه قبل أيهما أو إبراءه لذمته لا يترتب عليه إبراء ذمة الآخر، وأن إسقاط المضرور من حوادث السيارات لحقه في التعويض قبل المسئول عن الحقوق المدنية وإبرائه لذمته، لا يترتب عليه بالضرورة إبراء ذمة شركة التأمين المؤمن لديها من دين التعويض المستحق له.
لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنين وإن تصالحا مع قائد السيارة المتسببة في الحادث وتنازلا عن حقوقها المدنية قبله في الجنحة سند الدعوى فإن أثر هذا التنازل لا يمتد إلى الشركة المطعون ضدها التي لم تكن خصما فيها وتظل ملتزمة بتعويض الطاعنين عن الأضرار التي حاقت بهما من الحادث المؤمن عليه إجباريا لديها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعدم جواز نظر الدعوى لتصالح الطاعنين مع المتهم وتنازلهما عن دعواهما المدنية قبله في الجنحة سند الدعوى فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يعيبه ويوجب نقضه.
فلهذه الأسباب:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه وأحالت القضية إلى محكمة استئناف الإسكندرية - مأمورية دمنهور - وألزمت الشركة المطعون ضدها المصروفات ومبلغ 200 جنيه مقابل أتعاب المحاماة.