بالتزامن مع عودة القصف الوحشى لجيش الاحتلال في قطاع غزة عقب انهيار الهدنة الإنسانية، برز بشكل واضح الانقسام والخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية، وحالة التخبط في اتخاذ القرار والذى سينعكس على خسائرها على أرض المعركة.
فبالرغم من الضغط الشعبى الاسرائيلى على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للاستمرار في الهدنة وتحرير مزيد من الرهائن، اتخذ نتنياهو خطا معاديا لشعبه واتجه نحو استئناف الحرب، وعلى مايبدو أن القرار يشهد خلافا داخليا حتى بين أروقة حكومته، فهناك تباين واضح بين تيار يرى إخفاقات الحكومة والمؤسسة العسكرية وتيار آخر يعاند ويكابر ويرغب في سفك مزيد من الدماء.
ليس فقط الانقسام الداخلى والضغط الشعبى هو ما يواجه نتنياهو، بل إن تل أبيب بدأت تفقد التأييد الغربى المطلق، والذى تحول إلى انتقادات لوحشيتها من عواصم غربية كبرى مثل باريس، وتراجع للدعم الأمريكي اللامحدود على وقع خلاف في الرؤى بين واشنطن وتل أبيب حول مصير الحرب.
كل ذلك برز بوضوح خلال الـ24 ساعة الماضية حيث تظاهر آلاف الإسرائيليين، فى تل أبيب ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ورفع المتظاهرين لافتات "نحن نموت بسبب سياسة نتنياهو.. اخرج من حياتنا"، وطالب المتظاهرين بوقف الحرب والإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الفلسطينية حماس فى قطاع غزة.
وفى الوقت ذاته أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنامين نتنياهو، رفض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، إقامة مؤتمر صحفي مشترك معه، وظهر وزير الدفاع الإسرائيلي في مؤتمر صحفي منفصل، تحدث فيه عن العمليات العسكرية في قطاع غزة، ثم ظهر رئيس الوزراء نتنياهو في مؤتمر صحفى آخر، وعلق على رغبة وزير الدفاع في الظهور بعيدا عنه :"إنه اختار ما اختار"
وقال نتنياهو عندما سئل سبب عقده مؤتمرا صحفيا منفصلا عن وزير الدفاع يوآف جالانت:" "اقترحت أن يعقد جالانت مؤتمرا صحفيا مشتركا، لقد قرر ما قرره"، وهو الرد الذى فسره محللون إسرائيليون إلى أن الخلاف بين نتنياهو وجالانت كبير، مشيرين إلى أن مجلس الحرب يعتقد أن نتنياهو يقود حربا على غزة لإنقاذ مستقبله السياسي.
ويؤكد هؤلاء أن هناك حالة من عدم الثقة بين مجلس الحرب ونتنياهو وأن ذلك سيكون له تداعيات على قرارات الهجوم على غزة، وهو دليل على حدوث انقسامات وخلافات في صفوف الحكومة الإسرائيلية، فبيني جانتس العضو في حكومة الحرب انتقد مشروع الميزانية وخاصة الجانب المتعلق بالنفقات لصالح المستوطنات في الضفة الغربية.
وقال نتنياهو ردا على غالانت إنه يملك تفويضا من الاسرائيليين، وأنه لا يعمل وفقا لاستطلاعات الرأي، رغم إظهار استطلاعات الرأي تراجعا كبيرا في شعبية نتنياهو، وصعود أسهم معارضيه.
وفي مؤتمره، قال نتنياهو: "سنواصل الحرب حتى نحقق كل أهدافها ولا يمكن ذلك دون مواصلة العملية البرية في غزة، وسنحقق الحسم في الجبهة الجنوبية مقابل غزة ومواجهة وردع حزب الله في الجبهة الشمالية"، فيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لا تهدف إلى السيطرة على القطاع بشكل دائم، وإنما تقويض قدرات حركة "حماس" وإنهاء سيطرتها على غزة.
وفي تصريحاته أكد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنامين نتنياهو، أن الحرب على قطاع غزة مستمرة قائلا: "نحن ماضون حتى النهاية، وستستمر الحرب حتى تحقيق كافة الأهداف، والقتال سيكون شديدا لتحقيق".
وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي: " قرارنا حاسم في تحقيق أهدافنا وهي القضاء على حماس وإعادة المختطفين، و نحن ملتزمون باستعادة الأمن في الجنوب وفي الشمال".
وبالإضافة إلى الخلافات الداخلية تواجه الحكومة الإسرائيلية موقفا دوليا ضاغطا، حيث أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بوجود "خلافات مع الولايات المتحدة"، و"ضغوط دولية متزايدة" على إسرائيل بشأن حربها في غزة، متعهداً بمواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها.
وأعرب نتنياهو خلال مؤتمره الصحافي الأول منذ انتهاء الهدنة في غزة، عن ترحيبه بدعم الولايات المتحدة لتل أبيب، مشيراً إلى أن "واشنطن تدعم بعض أهداف الحرب اثنين منها بشكل مؤكد"، وذلك في إشارة واضحة إلى الخلافات مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، إذ تريد الولايات المتحدة رؤية السلطة الفلسطينية تتحمل مسؤولية القطاع.
كما اعترف بوجود اختلافات في الرأي مع واشنطن بشأن كيفية تحقيق هذه الأهداف، لكنه قال إن الحليفين قد تمكنا من التغلب عليها بشكل كبير، كما أقر بوجود بعض الخلافات المتعلقة بالمسائل الإنسانية، وأضاف: "في نهاية المطاف هذه حربنا، ويجب علينا نحن أن نتخذ القرارات، فنحن نحاول إقناع أصدقائنا الأمريكيين وننجح في الأمر في كثير من الأحيان، وآمل وأعتقد أن هذا ما سيحدث في المستقبل أيضاً".
ليست واشنطن وحدها، بل إن باريس هي الأخرى تختلف مع تحركات إسرائيل ومجازرها في القطاع، حيث اختلفت نبرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تجاه الحرب، وحذر مؤخرا إسرائيل من أن هدفها المعلن "القضاء بالكامل" على حركة «حماس» قد يجر حرباً تمتد 10 سنوات، مؤكدا أن السلطات الإسرائيلية عليها "تحديد أهدافها بدقة أكبر"، متسائلاً: "ماذا يعني القضاء على (حماس) بالكامل؟ هل يعتقد أحد أن هذا ممكن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن الحرب ستستمر 10 سنوات، لذا يجب توضيح هذا الهدف".
وشدد على أن استئناف القتال في قطاع غزة هو موضوع مثير للقلق، وأن الرد على حماس ليس بالقضاء على منطقة بأكملها أو قصف البنى التحتية المدنية بأكملها"، مؤكداً أن الأمن الدائم لإسرائيل لا يمكن ضمانه إذا أُرسي على حساب أرواح الفلسطينيين، وبالتالي استياء كل الرأي العام في المنطقة.