أصدرت الدائرة المدنية "ب" – بمحكمة النقض – حكما قضائيا يهم ملايين الملاك والمستأجرين، رسخت فيه لمبدأ قضائيا بشأن تفسير الارادة المشتركة للمتعاقدين في عقد الايجار وترتيب ما هو مقرر في قضائها بتحديد مدته بـ60 عاما قياسا على الحكر في ضوء تمحيص المحكمة لإرادة المتعاقدين، وأن عقد الإيجار لا ينتهي إلا بعد مرور 60 عامًا تبدأ من تاريخ إبرام العقد، وهي أكثر مدة إيجار ممكنة طبقًا للقانون المدني، وذلك بشأن المدة القانونية لمستأجري العقارات بعقود لا تحدد المدة.
ونقض الحكم المطعون فيه فيما قضى به من تحديد مدة العقد بالمدة المحددة لدفع الأجرة، وتحديد مدة العقد بأقصى مدة ممكنة على أن لا تجاوز هذه المدة 60 سنة، وهى أقصى مدة ممكنة - طبقا للقانون المدني - قياسا على الحكر.
وذلك تأسيسا على:
أن إرادة طرفي العقد - وهو شريعتهما - قد تلاقت على انتهاء مدة العقد والإيجار بهلاك العين المؤجرة، وكان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه، قد انتهى إلى أن مدة العقد هو الفترة المحددة لدفع الأجرة، ورتب على ذلك قضاءه بطرد الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالث من عين التداعي والتسليم، وانتهاء عقد ايجارهما بالإنذار المؤرخ 12 أكتوبر 2016، وذلك حسب تفسير المحكمة عقد ايجارهما المؤرخ 6 فبراير 1998 وهو تفسير لا تحتمله عبارات العقد وشروطه فى جملتها، وتخرج عن ظاهر مدلولها وإرادة المتعاقدين، والتى كان يتعين على المحكمة الأخذ بها واعتبار أن مدة العقد تبدأ من تاريخ أول فبراير سنة 1998 وينتهي بهلاك العين - المدة المتفق عليها - على أن لا تجاوز هذه المدة 60 سنة، وهى أقصى مدة ممكنة - طبقا للقانون المدني - قياسا على الحكر، يتجدد بعدها العقد للمدة المحددة لدفع الأجرة وينتهي بانقضائها بناء على طلب أحد المتعاقدين، إذا هو نبه على المتعاقد الآخر فى المواعيد المبينة بالمادة 563 من القانون المدني، فإنه يكون معيبا بما يوجد نقضه".
ملحوظة: هذا الحكم خاص بعقد دون سنة 1998 بدون مدة، ولذلك حددت مدته بـ 59 سنة فقط، وهذا الحكم منسوخ من أحكام أخري مماثله له وليس بجديد منعا للغلط.
ملحوظة أخرى: يرى خبراء ومراقبون أن هذا الحكم يناقض ما انتهى إليه حكم الهيئة العامة فى هذا الشأن ولا يجوز الاحتجاج بهذا الرأى المخالف لأن من شأنه تأبيد عقد الإيجار، وكذا الحكم المقيد برقم 6484 لسنة 82 قضائية، والذى جاء فيه: أنه لا يجوز تدخل القاضي لتحديد مدة العقد تبعاً لظروف وملابسات التعاقد أو انتهاء العقد بانقضاء ستين عاماً قياساً على حق الحكر، ذلك أن الأصل أنه يمتنع على القاضي إعمالاً لنص المادة 147 من القانون المدنى التدخل لتعديل إرادة المتعاقدين إلاّ لسبب يقره القانون ولو ارتأى المشرع أن يتدخل القاضي لتحديد مدة العقد، أو تحديد حد أقصى للمدة في عقد الإيجار.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 941 لسنة 90 قضائية، لصالح المحامى بالنقض إبراهيم سعودى، برئاسة المستشار عطاء سليم، وعضوية المستشارين كمال نبيه محمد، والدكتور مصطفى سعفان، ورضا سالمان، أحمد عبد الحليم مهنا، وبحضور كل من رئيس النيابة لدى محكمة النقض أحمد صديق، وأمانة سر صلاح سلطان.
الوقائع.. نزاع بين المالك والمستأجرين حول حانوت
تتحصل وقائع النزاع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن والمطعون ضدهما الثانى والثالث الدعوى رقم 726 لسنة 2016 مدنى كلى ههيا، للحكم بانتهاء عقد الإيجار المؤرخ 6 فبراير 1998 وتسليم عين التداعى المبينة بالصحيفة، وقال بيانا لذلك: أنه بموجب ذلك العقد استأجر سالف الذكر منه الحانوت محل التداعى، وإذ أنذرهم بانتهاء مدة العقد في 12 أكتوبر 2016 وعدم رغبته في التجديد فلم يمتثلوا، فأقام الدعوى، وبتاريخ 30 أكتوبر 2018 حكمت المحكمة بالطلبات، ثم استأنف الطاعن هذا الحكم أمام محكمة استئناف المنصورة، وبتاريخ 26 نوفمبر 2019 قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن بطريق النقض.
المحكمة تقضى بالطرد.. والمستأجرين يطعنون لإلغاء الحكم لهذه الأسباب
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن الطعن أقيم على 4 أسباب ينعى بها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، وفى بيان ذلك يقول إنه لما كانت عبارة عقد ايجار عين التداعى المؤرخ 6 فبراير 1998 – المحرر بينه وبين المطعون ضده الأول – قد جاءت واضحة على تلاقى إرادة طرفيه على تحديد مدته بهلاك العقار الكائنة به، وأنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بانعقاده لأقصى مدة ممكنة في القانون المدني وهى 60 عاما قياسا على الحكر، وفقا لبنوده وشروطه، وزيادة الأجرة بمقدار 105 كل 10 سنوات، وتقاضى المطعون ضده سالف الذكر – المؤجر – 20 ألف مقدم إيجار تخصم من الأجرة شهريا، وكان الحكم الابتدائى المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه قد اعتبر أن العقد سالف الذكر لم تحدد له مدة معينة يسرى عليه، ومن ثم يعتبر منعقدا للفترة المحددة لدفع الأجرة، مرتبا على ذلك انتهائه بانقضاء مدته بالإنذار المؤرخ 12 أكتوبر 2016 فإنه يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
كلمة السر.. الحكم خاص بعقد دون سنة 1998 بدون مدة
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعى في محله – ذلك أنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه ولأن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تفسير صيغ العقود بما تراه أو فى بمقصود العاقدين منها، والمناط في ذلك بوضوح الإرادة لا وضوح اللفظ، وما عناه العاقدون منها بالتعرف على حقيقة مرماهم دون الاعتاد بما أطلقوه عليها من أوصاف وما ضمنوها من عبارات متى تبين أن هذه الأوصاف والعبارات تخالف الحقيقة، إلا أن شرط ذلك أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة، كما أن النص في المادة 150/1 من القانون على أنه إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين، يدل على أن القاضى ملزم بأن يأخذ عبارة المتعاقدين الواضحة كما هي فلا يجوز له تحت ستار التفسير الخروج عن عبارة مؤداها إلى معنى أخر.
وبحسب "المحكمة": كما لا يجوز للمحكمة أن تعتد بما تفيده عبارة معينة دون غيرها من عبارات المحرر، بل يجب عليها أن تأخذ بما تفيده العبارات بأكملها وفى مجموعها، ولما كان ما تقضى به المادة المشار إليها تعد من القواعد التي وضعها المشرع على سبيل الالزام وينطوى الخروج عنها على مخالفة القانون لما فيه من مسخ وتشويه لعبارة العقد الواضحة، فيخضع بهذه المثابة لرقابة محكمة النقض، وكان مؤدى نص المادتين 558، 563 من القانون المدنى يدل على انه إذا اتفق العاقدان على مدة ما نقضى الإيجار بفواتها وإلا فيمتد الإيجار إلى مدة أخرى طبقا لاتفاقهما أخذا بشريعة العقد، ذلك أن عقد الايجار عقد زمنى ما دامت هذه المدة لا تجعل الايجار مؤبدا، وأنه إذا كان الايجار مؤبدا لم يكن باطلا بل يبقى ساريا لمدة 60 سنة، وذلك قياسا على الحكر الذى لا تزيد مدته القصوى على تلك المدة وفقا لنص المادة 999 من القانون المدني، أو إلى مدة أقل يحددها القاضي تبعا لظروف وملابسات العقد.
النقض تقرر: عقد الإيجار لا ينتهي إلا بعد مرور 60 عامًا تبدأ من تاريخ إبرام العقد
ووفقا لـ"المحكمة": لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن عقد ايجار عين التداعي المؤرخ 6 فبراير 1998 والمحرر بين الطاعن والمطعون ضدهما الثاني والثالث – كمستأجرين – والمطعون ضده الأول – كمؤجر – أنه تضمن – وفقا لبنوده وشروطه – أن مدة الايجار تبدأ من أول شهر فبراير سنة 1998 وتنتهى بهلاك العقار الكائنة به عين التداعى، وأن قيمة الايجار مبلغ 300 جنيه شهريا ويزيد بنسبة 10% كل 10 سنوات، وأن المطعون ضده الأول تقاضى مبلغ 20 ألف جنيه مقدم ايجار يخصم من الأجرة الشهرية بواقع نصف قيمة الأجرة – حتى ينفذ – بعدها تسدد الأجرة كاملة، بما مفاده أن إرادة طرفى العقد – وهو شريعتها – قد تلاقت على انتهاء مدة العقد والايجار بهلاك العين المؤجرة.
وكان الحكم الابتدائى المؤيد بقضاء الحكم المطعون فيه، قد انتهى إلى أن مدة العقد هي الفترة المحددة لدفع الأجرة، ورتب على ذلك قضاءه بطرد الطاعن والمطعون ضدهما الثانى والثالث من عين التداعى والتسليم، وانتهاء عقد ايجارهما بالانذار المؤرخ 12 أكتوبر 2016 ذلك حسب تفسير المحكمة عقد ايجارهما المؤرخ 6 فبراير 1998 وهو تفسير لا تحتمله عبارات العقد وشروطه في جملتها، وتخرج عن ظاهر مدلولها وإرادة المتعاقدين، والتي يتعين على المحكمة الأخذ بها واعتبار أن مدة العقد تبدأ من تاريخ أول فبراير سنة 1998 وينتهى بهلاك العين – المدة المتفق عليها – على أن لا تجاوز هذه المدة 60 سنة، وهى أقصى مدة ايجار ممكنة – طبقا للقانون المدنى – قياسا على الحكر، يتجدد بعدها العقد للمدة المحددة لدفع الأجرة وينتهى بانقضائها بناء على طلب أحد المتعاقدين، إذا هو نبه على النتعاقد الأخر في المواعيد المبينة بالمادة 563 من القانون المدنى، فإنه يكون معيبا بما يوجب نقضه.