أصدرت الدائرة الجنائية "ب" – بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يتصدى لوقائع القبض والتفتيش بالكمائن وغيرها بحجة توافر مظاهر الحيرة والارتباك، وظهور علامات الشك والريبة على الشخص أو تلعثمه في الكلام، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية لمسألة تقدير توافر حالة التلبس، قالت فيه: "مظاهر الحيرة والارتباك مهما بلغا، لا توفر الدلائل الكافية على اتهام الشخص بالجريمة المتلبس بها ولا تبيح القبض والتفتيش".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 17790 لسنة 92 القضائية، برئاسة المستشار صفوت مكادى، وعضوية المستشارين حازم عبدالرؤوف دخيل، وحاتم حميدة، وعلى أحمد عبدالقادر، ومحمد حمدى متولى، وبحضور كل من رئيس النيابة لدى محكمة النقض شريف مجدى، وأمانة سر أحمد لبيب.
الوقائع.. القبض على شخص بتهمة حيازة المخدرات وتعاطيها والقيادة تحت تأثير المخدر
اتهمت النيابة العامة المطعون ضده "ل. م" بأنه في يوم 15 من مارس سنة 2022 بدائرة قسم، بـ3 اتهامات هى أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدرا "حشيش" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وأحرز بقصد التعاطي جوهراً مقدراً "أفيون" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وقاد مركبة آلية "سيارة" وهو تحت تأثير المخدر أنف البيان.
محكمة الجنايات تقضى ببراءته "غيابيا"
وفى تلك الأثناء - أحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، وبجلسة السابع من يوليو سنة 2022 غيابيا ببرائته مما أسند إليه، فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض بتاريخ الأول من سبتمبر سنة 2022، وأودعت مذكرة بأسباب الطعن بذات التاريخ موقعا عليها من المحامي العام الأول للنيابة.
النيابة العامة تطعن على حكم البراءة لإلغائه
المحكمة بشأن طعن النيابة العامة قالت في حيثيات الحكم: أن الحكم المطعون فيه وإن صدر في غيبة المطعون ضده من محكمة الجنايات ببراءته من التهمة المسندة إليه إلا أنه لا يعتبر أنه أضر به، لأنه لم يدنه بشيء ومن ثم فهو لا يبطل بحضوره أو القبض عليه، لأن البطلان وإعادة نظر الدعوى أمام محكمة الجنايات مقصوران على الحكم الصادر بالعقوبة في غيبة المتهم جناية حسبما يبين من صريح نص المادة 39 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن ميعاد الطعن بطريق النقض في هذا الحكم ينفتح من تاريخ صدوره وكانت المادة 33 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 قد أجازت للنيابة العامة فيما يختص بالدعوى الجنائية الطعن بطريق النقض في الحكم الصادر من محكمة الجنايات في غيبة المتهم بجناية فإن طعنها يكون جائز وقد استوفى الشكل المقرر في القانون.
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء حكم البراءة، حيث ذكرت إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده من تهم إحراز جوهري الحشيش والأفيون المخدرين بقصد التعاطي في غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وقيادة مركبة آلية "سيارة" وهو تحت تأثير المخدر، قد شابه التناقض والتخاذل بين منطوقه وأسبابه ذلك بأن ما جرى به منطوقه يخالف ما جاء بأسبابه، مما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
النيابة العامة تستند في طعنها على عدة مواد لإدانة الشخص
وأضافت "مذكرة الطعن" التي تقدمت بها النيابة العامة: وحيث إن البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه خلص في أسبابه إلى إدانة المطعون ضده عن التهمة التي قدم بها للمحاكمة وذلك بقوله ": وحيث أن المحكمة اطمأنت إلى أدلة الثبوت في الدعوى والسالف بيانها، فإنه يكون قد وقر في عقيدتها على وجه الجزم والقطع واليقين أن المتهم "ل. م" في يوم 15 مارس 2022 بدائرة القسم ...... – محافظة....... أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدرا "حشيش" في غير الأحوال المصرح بها قانونا - أحرز بقصد التعاطي جوهراً مخدرا "أفيون" في غير الأحوال المصرح بها قانونا - قاد مركبة آلية "سيارة" وهو تحت تأثير المخدر أنف البيان الأمر الذي يتعين معه إدانته عملاً بالمادة 1، 2، 27/1، 37/1، 45/1 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين 122 لسنة 1989 والبندين رقمى "9، 56" من القسم الثانى من الجدول رقم "1" الملحق بالقانون الأول، والمستبدل بقرار وزير الصحة رقم 46 لسنة 1997، والمواد 1، 3، 4، 66، 76/1 من القانون رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقوانين أرقام 155 لسنة 1999، 121 لسنة 2008، 59 لسنة 2014، 142 لسنة 2014، والمادة 32 عقوبات، وهو ما يخالف ما جرى به منطوقه من القضاء ببرائته.
المحكمة في حيثيات الحكم ردت على تلك الأسباب الواردة بمذكرة طعن النيابة العامة بقولها: لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حجية الشيء المحكوم فيه لا ترد إلا على منطوق الحكم ولا يمتد أثرها إلى الأسباب إلا ما كان مكملاً للمنطوق، فإن ما تحدث به الحكم المطعون فيه من ثبوت التهمة بالنسبة إلى المتهم لا يكون له من أثر ما دام الحكم لم ينته في منطوقه إلى القضاء بذلك، ولما كان ما انتهى إليه الحكم في منطوقه مناقضاً لأسبابه التي بنى عليها، مما يعيبه بالتناقض والتخاذل، وكان الأمر ليس مقصوراً على مجرد خطأ مادي بل بتجاوزه إلى اضطراب ينبئ عن اختلال فكرة الحكم من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة.
مظاهر الحيرة والارتباك مهما بلغت لا توفر الدلائل الكافية على اتهام الشخص بالجريمة
لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه ونظر موضوعه وحيث إن الدعوى جاهزة للفصل فيها ومن ثم تتعرض محكمة النقض الموضوعها، أنه وحال قيامه بأعمال أحد الأكمنة، استوقف المطعون ضده حال استقلاله سيارة، وأنه تلعثم في الحوار حال سؤال الضابط له عن التراخيص، مما جعل الأخير يشتبه في تعاطيه المواد المخدرة، فقام الضابط الشاهد الثاني بأخذ عينة من بول المطعون ضده وفحصها، فتبين بها تعاطي المطعون ضده لمادتي الحشيش والأفيون المخدرتين وهو ما أقر به الأخير، وحيث شهد القائم بالتحليل فنى معمل التحاليل "ك. و"، بمضمون ما شهد به الشاهد الأول، وجاء تقرير معمل الصحة النفسية بـ.......، على أنه عثر بالعينة على مادتى الحشيش والأفيون المخدرتين.
لما كان ذلك، وكانت المادة 66 من قانون المرور رقم 66 لسنة 1973 المعدل بالقانون رقم 121 لسنة 2008 والمستبدلة بالقرار بقانون رقم 59 لسنة 2014 تنص على أن: "تحظر قيادة آية مركبة على من كان واقعاً تحت تأثير خمر أو مخدر، ولمأموري الضبط القضائي عند التليس بمخالفة الفقرة الأولى من هذه المادة في إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية أن يأمر بفحص حالة قائد المركبة بالوسائل الفنية التي يحددها وزير الداخلية بالاتفاق مع وزير الصحة، وذلك دون الإخلال باتخاذ ما يراه من إجراءات وفقاً للقانون.
ولا يبيح القبض والتفتيش
وإذ كان ذلك، فإنه ليس المأمور الضبط القضائي في خصوص المادة 66 من قانون المرور "آنفة البيان" أن يتعرض للحرية الشخصية لقائد المركبة أو أن يأمر بفحص حالته بالوسائل الفنية إلا في حالة التلبس بالجريمة، باعتبار أن التليس حالة تلازم الجريمة لا شخص مرتكبها، وأنه يتعين أن يدرك مأمور الضبط القضائي بإحدى حواسه وقوع الجريمة بما لا يحتمل شكا أو تأويلاً، ولا يغني في ذلك القرائن أو الشبهات التي يقررها مأمور الضبط القضائي كظهور علامات الشك والريبة على قائد المركبة أو تلعثمه في الكلام، إذ لم يدرك الضابط بذلك - بأية حاسة من حواسه - أن قائد المركبة وحال قيادته لها كان واقعا تحت تأثير المخدر، بما يبيح له القبض عليه، والأمر بفحص حالته بالوسائل الفنية.
وتضيف "المحكمة": سيما وأنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - أنه ليس في مجرد ما يعتري الشخص من مظاهر الحيرة والارتباك - مهما بلغا - ما يوفر الدلائل الكافية على اتهامه بالجريمة المتلبس بها، سيما وأنه تتعدد الاحتمالات المسببة لذلك، وإذ كان ما ساقه الحكم المطعون فيه - على السياق المتقدم - وخلص إليه من أن ظهور علامات الشك والربية على الطاعن وتلعثمه في الكلام حال استيقاف ضابط الواقعة له أثناء قيادته المركبة "سيارة" تتوافر به حالة التلبس جرائم إحراز الجوهرين "الحشيش - أفيون" المخدرين بقصد التعاطي وفي غير الأحوال المصرح بها قانونا، وقيادة مركبة تحت تأثير مخدر " اللتين تجيزان المأمور الضبط القضائي القبض عليه، والأمر بفحص حالته بالوسائل الفنية وذلك بأخذ عينة بول منه لتحليلها ليس صحيحا في القانون.
وتابعت: إذ إن ضابط الواقعة لم يدرك - بأية حاسة من حواسه - أن الطاعن حال قيادته المركبة كان واقعاً تحت تأثير مخدر، وبالتالي ليس له - من بعد - أن يتعرض له بالقبض أو أن يأمر بفحص حالته بالوسائل الفنية، وذلك بأخذ عينة بول منه لتحليلها، فإن فعل ذلك فإن إجراءه يكون باطلاً، وإذ بطل القبض وأخذ العينة لوقوعهما في غير حالة التلبس، فإنه يبطل الدليل المستمد بهما ويتعين استبعاد شهادة من أجراهما، وإذ لا يوجد في أوراق الدعوى دليل سوى ما أسفر عنه القبض واخذ العينة "الباطلين" وشهادة من أجراهما، فإنه بعد استبعادهما تخلو الأوراق من دليل إدانة، ومن ثم يتعين نقض الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة المطعون ضده مما أسند إليه عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 والمعدل بالقانون رقم 11 لسنة 2017.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وبراءة المطعون ضده مما أسند إليه من اتهام.
حكم النقض بشأن مظاهر الحيرة والارتباك 1
حكم النقض بشأن مظاهر الحيرة والارتباك 2