أثارت حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 الكثير من الغضب والاستياء الشديدين وانتقادات واسعة من المسيحيين حول العالم وفِيه إهانة بالغة للمسيحيين حيث يصور أحد العروض في الحفل ظهور مجموعة من الفنانين المتحولين جنسيا في عرض فيديو مطول، تجسد الشخصيات المرسومة في لوحة "العشاء الأخير" التي رسمها ليوناردو دافنشي القرن الخامس عشر والتي تجسد سر الافخارستيا "سر التناول" وهو من أقدس المعتقدات المسيحية .
وهو تذكير بالعشاء الذي تناوله السيد المسيح بصحبة تلاميذه عشيّة آلامه حسب ما جاء في الكتاب المقدس في "إنجيل لوقا 19:22 ، وإنجيل متى 26:26 ، وإنجيل مرقص 22:14"، ويحتفل بها المسيحيين، لأنها التعبير المرئي للكنيسة التي تمثل جسد ودم المسيح، والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا أين احترام الدين واحترام معتقدات الأخر؟ بسبب عرض مشهد يحاكي لوحة العشاء الأخير، اعتبره كثيرون ساخرا من السيد المسيح.
أولمبياد باريس.. لوحة "العشاء الأخير" تثير موجة استياء حول العالم
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على موقف القانون الدولى من مسألة إزدراء الأديان الذى يعتبره البعض عائقا لحرية الفن والإبداع، فكما ذكرنا خلال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، ظهر عدد من الأشخاص وهم يجسدون شخصيات مرسومة بلوحة "العشاء الأخير"، كما تم تصدر المشهد امرأة قريبة من موقع السيد المسيح في اللوحة، لكنه كان يرقص ويدخن النَّارَجِيَلةُ أو الشيشة، والعشاء الأخير حدث مهم في الديانة المسيحية وذكرى للسيد المسيح مع تلاميذه، كما سبق وأن رسم الفنان الإيطالي العالمي ليوناردو دافنشي صورة "العشاء الأخير" عام 1498، وهو ما حاول حفل الافتتاح إظهاره بطريقة ساخرة – بحسب الخبير القانوني الدولى والمحامى بالنقض هانى صبرى.
في البداية - في تقديري الشخصي هذا العرض المشين يعد جريمة أخلاقية ويتعارض تماماً مع المعتقدات الإيمانية الراسخة للمسيحيين، حيث يسخر من الكتاب المقدس، ومن الإيمان المسيحي ومحاولة بائسة منهم واعتقادهم ان هذا ينال من السيد المسيح قدسيته، وفيه إهانة بالغة لكل المسيحيين في جميع أنحاء العالم أن أي مسيحي بل والجميع، يعلم تماماً أن السيد المسيح الوحيد الذي لم يرتكب الخطية؛ وقال بفمه الطاهر أمام الجميع "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟"، وأنه انتصر علي الخطيئة والموت، فكيف يتم تصويره بهذا الشكل – وفقا لـ"صبرى" .
ظهور مجموعة من المتحولين جنسيا في عرض فيديو
نحن نؤمن بحرية التعبير، لكن هذا العرض المشبوه لا يندرج ضمن باب الحريات أو الإبداع بأي شكل من الأشكال، والذي يؤكد صحة رؤيتنا أنه كان هناك فيلم أمريكى أنتج فى الثمانينات تحت اسم الإغراء الأخير للسيد المسيح، وهو مقتبس عن رواية "نيكوس كازانتزاكيس" التي صدرت عام 1953م، وقد أثار جدلا لأنه كان يصور العلاقة بين السيد المسيح ومريم المجدلية، مما أثار إستياء الكثير من المسيحيين، وتم منع عرضه في عدة بلاد أوروبية حيث واجه هذا الفيلم رفضًا شديدًا وانتقادات حادة من جانب الفاتيكان، ووصل الأمر إلى المطالبة بطرد الفيلم من مهرجان كان، وقدم مخرج الفيلم نفسه للمحاكمة في روما بسبب هذا الفيلم – هكذا يقول "صبرى".
كما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد انتصرت للمقدسات الدينية، وأصدرت حكماً تاريخياً منذ عدة سنوات وقررت أنّ الإساءة للمقدسات والرموز الدينية - لا تندرج ضمن حرية التعبير، لذلك نري أن الطعن في الدين المسيحي ومقدساته لا يدخل ضمن الحرية الشخصية، وأنّ هذا العرض المسئ تجاوز الحد المسموح به في الطرح، ويصنف كهجوم مسيء على السيد المسيح والمسيحيين، كما عرض السلام الديني للخطر – طبقا للخبير القانونى.
قانونى يصف الفعل بإزدراء أديان
ونرى أنه يجب يكون هناك توازن دقيق بين الحق في حرية الإبداع والتعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية، ويجب أن تستوعب الدولة الفرنسية وجود خطوط فاصلة بين الحرية الشخصية وبين مراعاة مشاعر الآخرين في احترامهم لمقدساتهم وأن الأستهزاء بعقائد الآخرين والطعن في الذّات الآلهية لا يدخل ضمن الحرية الشخصية، وفي تقديري أن هذا العرض يعد جريمة ازدراء الدين المسيحي مكتملة الإركان وهذا ثابت من خلال العرض والتعدي بالقول وبطريق العلانية علي الدين المسيحي – هكذا يقول "صبرى".
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن، ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعد ازدراء له، وأن الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في الديانات الإبراهيمية، أو الأعتداء علي قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للدين ، ومهاجمة العقيدة ، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل، وهي الصورة الأكثر انتشارا.
الخبير القانوني الدولى والمحامى بالنقض هانى صبرى
حرية الإعتقاد والرأي مكفولة للجميع
أن حرية الإعتقاد والرأي مكفولة، إلا أن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد منه،.. فليس له أن يحتمي من ذلك بحرية الاعتقاد وإنما تضع مرتكب تلك الجرائم تحت طائلة القانون، لذلك يجب إستبعاد هذا العرض المسيئ على الفور وإزالته وإعتذار الدولة الفرنسية لكل مسيحيي العالم، كما يجب أن تقدم اللجنة الأولمبية الدولية اعتذار رسمي لجميع مسيحيي العالم، لأن هذا العرض المشين يخالف المثياق الأولمبي الذي يحترم الأديان، وندين باشد العبارات هذا العرض المشين الذي ينال من مسيحيي العالم، ويتشدقون باحترام معتقدات الاخرين وهم بعيدين كل البعد عن ذلك.
رأى القانون الدولى فى جريمة إزدراء الأديان
كما أن القانون الدولي كفل حرية اعتناق الأديان لكل إنسان، ولم يسمح بازدراء الأديان، ويكفل القانون الدولي حرية العقيدة والاعتقاد الديني، ويحرم في الوقت نفسه الإساءة للمعتقدات الدينية للآخرين، لأن هناك فارقا بين حرية الرأي والتعبير، والتي تتيح للجميع حرية انتقاد الأفكار، وبين ازدراء الأديان، والتقليل من معتقدات الآخرين، وهو ما يعاقب عليه القانون الدولي، وهو ما ينطبق على جريمة لوحة "العشاء الأخير" فى أولمبياد باريس 2024.
كما أن جميع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان كفلت أيضا حرية التعبير وحرمت وجرمت ازدراء الأديان، وفرض القانون الجنائي الدولي حماية على الأماكن المقدسة فجرم انتهاكها وجعلها جريمة حرب، طبقا لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبروتوكولين الملحقين لها لعام 1977، حيث يعد مخالفة الاتفاقيات سالفة الذكر جريمة حرب، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة الثامنة والفقرة التاسعة من المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما ينطبق على جريمة لوحة "العشاء الأخير" فى أولمبياد باريس 2024.
حيث اعتبرتها المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة ضد الإنسانية، وذلك لأنها تعبر عن اضطهاد وتمييز بسبب الدين، وفي جميع الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية، المنصوص عليها في المادة 112 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تعتبر جريمة ازدراء الأديان جريمة ضد الإنسانية، لأنها تمثل اعتداء علي البشرية جميعا، كما تدخل ضمن الركن المادي لجريمة الاضطهاد الديني أو التمييز العنصري بسبب الدين أو المعتقد الديني.
مجلسى كنائس مصر والشرق الأوسط
هذا وقد أدان مجلسى كنائس مصر والشرق الأوسط العرض الفني المسيء في حفل افتتاح الألعاب الأولمبية بباريس 2024، وذلك من خلال إصدار بيانين يستنكران فيه للعرض الفني الذي تضمن إساءة صارخة لأقدس الرموز المسيحية خلال حفل افتتاح الألعاب الأولمبية بباريس 2024. إن هذا العرض، الذي استهدف لوحة العشاء الأخير، يتجاوز حدود الحرية الفنية ويعد إهانة صريحة لمشاعر الملايين من المسيحيين حول العالم.
نشطاء يتداولون لقطات من الحفل الافتتاحي
فيما تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات من الحفل الافتتاحي لأولمبياد باريس 2024 وسط مزاعم ربطت إحدى الفقرات الفنية بالديانة المسيحية ولوحة "العشاء الأخير"، ومن بين التعليقات استشهد رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس بتدوينة ورد فيها: "تسخر الألعاب الأولمبية علنًا من العشاء الأخير ليسوع حيث تلعب الملكات اللاتي يرتدين زي النساء دور التلاميذ بينما تظهر امرأة زائدة الحجم في المنتصف ترمز إلى يسوع وهو يرتدي تاجًا عملاقًا"، ليعلق قائلا: " غير محترم! وذوق سيء للغاية".
وكتبت النائبة الفرنسية، ماريون ماريشال لوبان، على موقع "إكس": "أشاهد حفل افتتاح الألعاب الأولمبية مع أطفالي. من الصعب تقدير المشاهد القليلة الناجحة، ما بين مشهد ماري أنطوانيت المقطوعة الرأس، والثلاثي الذي يقبل بعضه بعضًا، وملكات السحاق، وإجبار الحرس الجمهوري على الرقص مع آية ناكامورا، والقبح العام للأزياء وتصميم الرقصات. إنها محاولة يائسة لتمجيد قيم الرياضة وجمال فرنسا في خضم هذه الدعاية الفجة لثقافة "ووك".
وكتب الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، على موقع "إكس": "كان هذا الأمر مهينًا للغاية للمسيحيين".
وعلقت عضو البرلمان الأوروبي، ماريو ماريشال، موجهة عبر حسابها في منصة "إكس" بالفرنسية والإنجليزية: "إلى جميع المسيحيين في العالم الذين يشاهدون حفل باريس 2024 ويشعرون بالإهانة من هذه المحاكاة الساخرة للعشاء الأخير، اعلموا أن فرنسا ليست هي التي تتحدث، بل أقلية يسارية حاضرة دوما لأي استفزاز".