نصت المادة 390 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي على أن كل حكم يصدر بالإدانة في (غيبة المتهم) يستلزم حتماً حرمانه من أن يتصرف في أمواله أو أن يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه، وكل تصرف أو التزام يتعهد به المحكوم عليه يكون باطلاً من نفسه، وتعين المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها أموال المحكوم عليه حارساً لإدارتها بناء على طلب النيابة العامة أو كل ذي مصلحة في ذلك، وللمحكمة أن تلزم الحارس الذي تنصبه بتقديم كفالة، ويكون تابعاً لها في جميع ما يتعلق بالحراسة وتقديم الحساب، وهذا النص كان مقرر في فرنسا ولكن تم إلغاؤه.
ولقد قيل تبرير هذا النص أن المشرع أراد التحقير من شأن المحكوم عليه (غيابيا) في جناية وتضيق الخناق عليه كي يهرع لإعادة الإجراءات في الحكم توصلا إلي رفع الحرمان من التصرف، فضلا عن الحيلولة بينه وبين تهريب أمواله ليتفادي الغرامات والتعويضات التي يقضي عليه، إلا أنه حدث نقاشات وسجالات داخل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، على المقترح المقدم من نقابة المحامين وعدد من النواب، بشأن المادة 368 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
"خناقة" المادة "368" من مشروع قانون الإجراءات الجنائية في طريقها للحل
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية حرمان المحكوم عليه (غيابيا) في جناية من التصرف في أمواله وبطلان تصرفه، والتعليق على المادة 368 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، والوضع في ظل قانون الإجراءات الحالي، وذلك بعد موافقة لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، وعدد من النواب، في بداية سبتمبر، بإضافة عبارة (مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية) إلى المادة 368 من مشروع القانون الخاصة بحرمان المحكوم عليه بالإدانة غيابيا من التصرف في أمواله أو إدارتها، لتعزيز مزيد من الضمانات الدستورية لحماية الحق في التصرف في الأموال أو إدارتها – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - الرأي مستقر في الفقه والقضاء على أن بطلان التصرف لا يهدر حقوق الغير حسن النية الذي تلقى الحق من المحكوم عليه (غيابيا) دون أن يعلم بالحكم حماية للغير حسن النية واستقرارا للمعاملات وعملا بقاعدة شخصية العقوبة ونسبية آثارها، إذ العقوبة لا ينال أذاها ولا ضررها إلا المحكوم عليه، وهو الأمر المتعارف عليه في معظم تشريعات العالم، فقد كان هذا النص موجودا ومقررا في فرنسا وهو حرمان المحكوم عليه (غيابيا) في جناية من التصرف في أمواله وبطلان تصرفه ولكن تم إلغائه – وفقا لـ"فاروق".
طبيعة عقوبة الحرمان من التصرف
وتنقسم العقوبات إلى أصلية وتكميلية وتبعية، وتعرف العقوبة التبعية بأنها تترتب بقوة القانون تبعا للحكم بعقوبة اصليه معينة، وكونها تتبع العقوبة الأصلية معناه أنه لا يصرح القاضى بها في حكمه ولا تقتضي سلوكا خاصا من جانب المحكوم عليه ولا إجراء آخر من جانب الدولة، وإنما تلحق المحكوم عليه بقوة القانون كآثر للحكم الصادر من المحكمة بالعقوبة الأصلية – طبقا لـ"فاروق".
ولذا كان المنع من التصرف عقوبة تبعية إذ توقع على المحكوم عليه تلقائيا كآثر للحكم دون أن ينطق القاضي بها ومثلها في ذلك مثل العقوبات المشار إليها في المادة 25 من قانون العقوبات، إذ نصت علي أن كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حتما حرمان المحكوم عليه من: 1-القبول في خدمة في الحكومة، 2- حرمانه من إدارة أمواله والتصرف فيها، 3- حرمانه من أداء الشهادة إلا علي سبيل الاستدلال، 4- حرمانه من عضوية المجالس المحلية والنيابية، 5- حرمانه من التحلي بالرتب والنياشين، 6-الوضع تحت مراقبة الشرطة في الأحوال المنصوص عليها في المادتين 28 و75 عقوبات – الكلام لـ"فاروق".
الوضع في ظل مشروع قانون الإجراءات وعدم دستورية عقوبة الحرمان من التصرف
أبقي المشرع علي المادة 390 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي وبذات الألفاظ والعبارات ولكن جاء ترقيمها تحت بند المادة 368، وعقوبة الحرمان من التصرف وهي تبعية تلقائية لا ينطق بها القاضي تطلها شبهة عدم الدستورية، وآية ذلك ما نصت عليه المادة 95 من دستور 2014 من أنه: "لا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي"، مما يعني أن الحكم وحده هو أداة النطق بالعقوبة وليس هذا هو الشأن في الحرمان من التصرف، فهي عقوبة تبعية تنفذ بناء علي الحكم القضائي دون أن يقضي بها – هكذا يقول "فاروق" .
ومن المسلمات أنه لا يجوز للسلطة التشريعية أن توقع عقوبة علي إنسان لم يحكم بها القضاء وإلا عدا ذلك منها تدخلا في شؤون العدالة واغتصابا لسلطة القضاء وهو ما نهي عنه الدستور في المادة 184 منه، وقد تدارك المشرع الفرنسي هذا الأمر فنص في المادة 132 /21 /1 من قانون العقوبات علي عدم جواز فرض عقوبة تترتب بقوة القانون بناء علي الإدانة ونص في المادة 132 /17 /1 علي عدم جواز تنفيذ عقوبة ما لم تقضي بها المحكمه صراحة وبذلك اختفت في فرنسا العقوبات التي تنفذ بطريقه أوتوماتيكية أي تلقائية لعقوبة أصلية.
وفى الأخير يقول "فاروق": نخلص من ذلك إلي أن المادة 368 من المشروع مشوبة بعيب عدم دستورية فيما قررته من إيقاع عقوبة الحرمان من التصرف كعقوبة تبعية توقع بقوة القانون كآثر لحكم الإدانة ولو لم يقضى بها القاضى وهو عين ما سبق أن نادينا به في ظل قانون الإجراءات الجنائية الحالي بالنسبة للمادة 390 المقابلة للمادة 368 من المشروع.