أصدرت الدائرة المدنية " أ " بمحكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين المتعاملين في سوق البيع والشراء، رسخت فيه لعدة مبادئ قضائية بشأن التراخى في استغلال الشرط الفاسخ للعقود، قالت فيه: "1-الاتفاق على كون العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو حكم عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه يكون أثره وقوع الفسخ حتمًا بمجرد تحقق الشرط دون حاجة إلى تنبيه أو رفع دعوى به.
2- لجوء الدائن إلى القضاء في هذه الحالة اعتبار حكمه مقررًا للفسخ بعد التحقق من توافر شروطه، و مؤداه عدم استطاعة المدين تفادي الفسخ بالسداد علة ذلك.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 2192 لسنة 89 قضائية، برئاسة المستشار محمود العتيق، وعضوية المستشارين عمرو يحيى، وأبو زيد الوكيل، ومصطفى صلاح الصائم، ومصطفى كامل، وبحضور كل من رئيس النيابة أحمد محمد صبري، وأمانة سر محمد عبد المجيد.
الوقائع.. نزاع قضائى بين الورثة والشركة البائعة لقطعة أرض للمورث
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم 1018 لسنة 2014 مدني محكمة الجيزة الابتدائية على المطعون ضدهم بطلب الحكم بإنفساخ عقد البيع المؤرخ 31 ديسمبر 1996 على سند من أنه بموجب ذلك العقد باعت لمورثهم الأرض موضوع التداعي مع إقامة فيلا سكنية عليها لقاء ثمن مقداره 43,7460 جنيها والمرافق والشوارع والشبكات لقاء 90,450 دولارا أمريكيا أو ما يعادله بالجنيه المصري وقت السداد، وقد سدد مبلغ 400,000 جنيه كمقدم حجز وعدد 3 أقساط.
وإذ امتنعوا عن سداد الأقساط المستحقة اعتبارا من 1 يناير 1997 فإن العقد يكون قد فسخ لتحقق الشرط الفاسخ الصريح المنصوص عليه بالبند السادس من العقد، مما حدا بها إلى إقامة الدعوى أقام المطعون ضدهم دعوى فرعية بطلب تعديل الثمن الوارد بالعقد المؤرخ 31 ديسمبر 1996 بمقدار النقص في أرض التداعي مع إلزام الشركة الطاعنة بتسليم الأرض والفيلا موضوع العقد ومليون جنيه كتعويض على سند من أن الشركة الطاعنة التزمت بموجب ذلك العقد بتسليم الأرض والفيلا في موعد غايته 1 يناير 2000 وفقا للبند العاشر كما تلتزم بتسجيل عقد شرائها من هيئة المجتمعات العمرانية.
الورثة لم يلتزموا بسداد الأقساط
وحيث لم تلتزم بما سبق، وقامت باستقطاع مساحات تصل إلى 25% من إجمالي المساحة المتعاقد عليها، ومن ثم فقد أقامت الدعوى، ثم ندبت المحكمة خبيرا وبعد أن أودع تقريره حكمت المحكمة بفسخ عقد البيع المؤرخ 31 ديسمبر 1996 ورفض الدعوى الفرعية استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة - مأمورية الجيزة - بالاستئناف رقم 8854 لسنة 134 قضائية، وبتاريخ 4 ديسمبر 2018 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به في الدعوى الأصلية والقضاء برفضها وتأييده فيما قضى به في الدعوى الفرعية، ثم طعنت الشركة الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
الشركة تقيم دعوى بانفساخ العقد بعد 15 سنه تحقيقا للشرط الفاسخ
مذكرة الطعن استندة على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت: وحيث إن مما تنعاه الشركة الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، إذ أقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى الأصلية على ما ذهب إليه من أنها تنازلت عن الشرط الصريح الفاسخ المنصوص عليه بعقد البيع لتراخيها في إقامة الدعوى بطلب الفسخ رغم تمسكها طوال مرحلتي التقاضي بإعمال هذا الشرط ولم تتنازل عنه، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
محكمة الاستئناف ترفض الشرط الفاسخ بسبب التراخى في استغلاله لمدة 15 سنه
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: وحيث إن هذا النعي في محله؛ ذلك أن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو حكم من القضاء عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه يترتب عليه الفسخ حتما بمجرد تحقق الشرط الفاسخ الصريح الوارد بالعقد، إذ يقع هذا الفسخ الاتفاقي بمجرد إعلان الدائن رغبته في ذلك دون حاجة إلى تنبيه أو رفع دعوى بالفسخ أو صدور حكم به، فإذا ما لجأ الدائن إلى القضاء فإن حكمه يكون مقررا للفسخ بعد التحقق من توافر شروط الفسخ الاتفاقي ووجوب إعماله ولا يستطيع المدين أن يتقادى الفسخ بسداد المستحق عليه بعد تحقق الشرط الفاسخ الصريح، إذ ليس من شأن هذا السداد أن يعيد العقد بعد انفساخه.
الشركة تطعن على الحكم أمام النقض لإلغاءه
وبحسب "المحكمة": وأن مجرد السكوت عن استعمال الحق في طلب الفسخ فترة من الزمن رغم العلم بقيام موجبه لا يعتبر نزولاً عن الحق، كما وأن النزول الضمني عن الحق المسقط له يجب أن يكون بقول أو عمل أو إجراء دال بذاته على ترك ذلك الحق دلالة لا تحتمل الشك، وهو ما لا يتحقق في مجرد تأخر المطالبة به أو السكوت عليه فترة من الزمن، وأن النزول الضمني عن الحق وإن كان يدخل في سلطة محكمة الموضوع إلا أنه يتعين أن يكون الاستخلاص سائغا ومقاما على أسباب من شأنها أن تفيد هذا النزول على سبيل الجزم، وأن أسباب الحكم تكون مشوبة بفساد الاستدلال، إذ انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم العناصر الواقعية التي تثبت لديها، أو إلى وقوع تناقض بين هذه العناصر كما في حاله عدم اللزوم المنطقي للنتيجة التي انتهت إليها في حكمها بناء على تلك العناصر التي تثبت لديها.
ووفقا لـ"المحكمة": لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استخلص تنازل الشركة الطاعنة عن الشرط الصريح الفاسخ الذي تضمنه عقد البيع من تراخيها في إقامة الدعوى بفسخه لأكثر من 14 عاما على حلول أول قسط امتنع المطعون ضدهم عن سداده ورتب على ذلك قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف، وبرفض الدعوى في حين أن ما خلص إليه الحكم وجعله سندا لقضائه غير سائع؛ إذ لا يمكن اعتبار مجرد تراخي الشركة الطاعنة في إقامة الدعوى بطلب فسخ العقد نزولاً عن الشرط الصريح الفاسخ الذي تضمنه طالما أنه لم يتخذ موقفا لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته عن قصد التنازل، كما لا يمكن اعتباره بذاته دالاً على توافر الإرادة الضمنية على التنازل عن هذا الشرط وليس من شأنه أن يؤدي بطريق اللزوم إلى النتيجة التي انتهى إليها، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه فضلاً عن خطئه في تطبيق القانون شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه، وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم.
لذلك:
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه، وألزمت المطعون ضدهم المصروفات، ومائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وحكمت في موضوع الاستئناف رقم 8854 لسنة 134 قضائية القاهرة - مأمورية الجيزة - بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين المصروفات، ومائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.