أصدرت الدائرة الأولى – بمحكمة القضاء الإدارى – بمجلس الدولة، حكما مهما، بإلغاء القرار الصادر بوضع أحد الأشخاص على قوائم ترقب سفر ووصول وتفتيش جمركى دون مبرر أو مسوغ قانوني.
صدر الحكم في في الدعوى رقم 59475 لسنة 78 قضائية، لصالح المحامى رابح الدسوقى، برئاسة المستشار حسام أحمد نور الدين مصطفي، وعضوية المستشارين هاني أحمد عبد الوهاب سعد، وأحمد سليمان محمد سليمان الحساني، وبحضور كل من مفوض الدولة حسين عاطف حسین صابر، وأمانة سر عبد الله سامي عبد الله.
الوقائع.. وضع أحد الأشخاص على قوائم ترقب سفر ووصول وتفتيش جمركى
أقام المدعى دعواه المائلة بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 29 أبريل 2024 طالباً في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ ثم بإلغاء القرار الصادر بوضعه على قوائم ترقب السفر والوصول والتفتيش الجمركي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماه، وذكر المدعي شرحاً للدعوى أنه فوجىء بإدراجه على قوائم تقوائم ترقب السفر والوصول والتفتيش الجمركي دون مبرر أو مسوغ قانوني.
ونعى المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته لأحكام الدستور والقانون وعدم قيامه على أسباب صحيحه تبرره، الأمر الذي حدا بها إلى إقامة دعواه المائلة مختتماً صحيفتها بطلباته سالفة البيان، وتحدد لنظر الدعوى أمام المحكمة جلسة 9 يونيو 2024، حيث قررت المحكمة إحالة الدعوى الى هيئة مفوضى الدولة، وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريرا برأيها في الدعوى، ونظرت المحكمة الدعوى عقب إبداع التقرير على النحو الثابت بمحاضر جلساتها، وبجلسة 11 يناير 2025 قررت المحكمة إصدار الحكم.
المحكمة تستند على الدستور المصرى
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: ومن حيث إنه عن موضوع الدعوى فإن المادة (62) من الدستور تنص على أن: "حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون"، وتنص المادة (206) منه على أن: "الشرطة هيئة مدنية نظامية، في خدمة الشعب، وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمانينة والأمن، وتسهر على حفظ النظام العام، والآداب العامة، وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات، واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكفل الدولة أداء أعضاء هيئة الشرطة لواجباتهم، وينظم القانون الضمانات الكفيلة بذلك".
وتضيف "المحكمة": ومن حيث إن المادة (1) من قرار وزير الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر والمعدل بالقرار رقم 53 لسنة 2013 والقرار رقم 1330 لسنة 2014م تنص على أن: "يكون الإدراج على قوائم الممنوعين من السفر بالنسبة للأشخاص الطبيعيين وبناء على طلب الجهات الآتية دون غيرها:
1- المحاكم في أحكامها وأوامرها واجبة النفاذ.
2- النائب العام.
3- قاضي التحقيق.
4- مساعد وزير العدل للكسب غير المشروع.
5- رئيس المخابرات العامة.
6- رئيس هيئة الرقابة الإدارية.
7- مدير إدارة المخابرات الحربية ومدير إدارة الشئون الشخصية والخدمة الاجتماعية للقوات المسلحة والمدعى العام العسكري.
8- مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن الوطني.
9- مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة الأمن العام.
الإدراج في غير حالات طلب المحاكم
ووفقا لـ"المحكمة": ويجب أن يكون الإدراج في غير حالات طلب المحاكم صادرا من رئاسة الجهات المشار إليها دون فروعها، وتنص المادة (3) منه على أن: "توجه طلبات الإدراج على القوائم والرفع منها إلى مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية من ذات جهات الإدراج المبيئة بالمادة الأولى من هذا القرار وبذات القيود الواردة بها وتسلم هذه الطلبات إلى مدير إدارة القوائم بالمصلحة لاتخاذ اللازم نحوها، ويكون المدير مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية النظر في طلبات القيد بقوائم الممنوعين من مغادرة البلاد أو من الدخول إليها أو الرفع من القوائم والبت فيها".
وتنص المادة (1) منه على أن: "نظل الأسماء المستوفية للبيانات مدرجة بالقوائم من تاريخ الإدراج، ويُرفع الإدراج تلقائياً بعد انقضاء ثلاث سنوات تبدأ من أول يناير التالي لتاريخ الإدراج إذا لم يرفع قبل انقضائها بناء على طلب الجهة الطالبة، ويستمر الإدراج بعد انقضائها إذا طلبت الجهة ذلك.
المحكمة تستند على أحكام الدستورية العليا
واستندت المحكمة على حكم المحكمة الدستورية العليا والذى قضت في الدعوى رقم 243 لسنة 21 قضائية دستورية بجلسة 4 نوفمبر 2000 بعدم دستورية نص المادتين 8، 11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 17 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر، وذلك فيما تضمنه من تفويض وزير الداخلية تحديد شروط منح جواز السفر أو رفضه أو تجديده أو سحبه بعد إعطائه وذلك لما يتضمنه هذا التفويض من تنصل من المشرع عن وضع الأسس العامة التي تنظم موضوع جواز السفر بأكمله والتزمت المحكمة ضرورة أن يتدخل المشرع بهذا التنظيم على النحو الذي رسمه الدستور في المواد 41، 50، 51، 52 منه، وهو ما يضحى معه الأمر الصادر من القاضي المختص أو النيابة العامة ومن باب أولى وزير الداخلية بالمنع من السفر دون أن يكون ثمة تنظيم قانوني مخالفاً بدوره لأحكام الدستور، بيد أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على انه إزاء هذا الفراغ التشريعي فإنه لا مناص من إعمال قضاء المشروعية على ما يصدر من قرارات المنع من السفر سدا لهذا الفراغ التشريعي وممارسة لدور القضاء الإداري في صون الحقوق العامة.
ومن حيث إنه، ولئن كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على إعلاء المبادئ الدستورية وعلى رأسها حرية المواطنين في السفر والتنقل سعيا وراء تحقيق أهدافهم الشخصية وهو ما يتعين على أجهزة الدولة وبصفة خاصة وزارة الداخلية مراعاته فيما تتخذه من قرارات أو إجراءات في هذا الشأن، إلا أنها يجب أن لا تغض الطرف عن واجب المحافظة على أمن البلاد الذي لا يقف عند حد الأمن السياسي وإنما يمتد إلى الأمن الاقتصادي والاجتماعي وكذا المحافظة على سمعة البلاد والسعي إلى علو شأنها وجلال قدرها خارج حدودها، وهو أمر لا شك منوط - في ظل الرقابة القضائية، بأجهزة الدولة المختلفة وتضطلع به أجهزة الأمن بوزارة الداخلية والدفاع وغيرها من الجهات وإذا قدرت هذه الأجهزة أن الصالح العام للبلاد يقتضى منع أحد المواطنين من السفر أو إدراجه على قائمة الممنوعين من السفر مستندة في ذلك إلى سبب صرحت به صراحة ومؤيداً بالمستندات، ودون الارتكاز إلى تحريات مرسلة كان قرارها مستظلاً بأحكام الدستور ومتفقاً والمشروعية، ومرد ذلك إلى طبيعة هذه الحقوق وما تتميز به من أنها حقوق عامة التقرير وغير مطلقة المنحخاصة إذا تكشف للمحكمة على ضوء أوراق الدعوى أن ممارسة هذا الحق يستهدف هروباً من أداء واجب أو تهربا من ملاحقة قضائية أو سعياً للنيل من سمعة البلاد خارج حدودها، ولا مناص من الالتزام بأن تكون تزكية الحريات العامة كحقوق الأفراد مرتبطة بتزكية أمن الوطن الذي يضحى واجباً على الكافة.
المحكمة تستند على أحكام المحكمة الإدارية العليا
كما جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن حرية التنقل من مكان إلى آخر ومن جهة إلى أخرى والسفر خارج البلاد مبدأ أصيل وحق دستوري مقرر للأفراد لا يجوز المساس به ولا تقييده إلا لصالح المجتمع وحمايته والحفاظ على سمعته وكرامته وبالقدر الضروري لذلك - من الأصول المقررة أنه بحكم ما للدولة من سيادة على رعاياها فإن لها مراقبة سلوكهم داخل البلاد وخارجها للتثبت من عدم تنكبهم الطريق السوى في سلوكهم - مؤدى ذلك : أن الترخيص أو عدم الترخيص في السفر إلى خارج البلاد هو من الأمور المتروكة لتقدير الإدارة حسبما تراه متفقا مع الصالح العام فلها أن ترفض الترخيص إذا قام لديها من الأسباب ما يبرر ذلك كما لو كان في سلوك طالب الترخيص ما يضر بمصلحة البلاد أو يؤذي سمعتها في الخارج، وفقا لمحكمة المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1464 لسنة 32 قضائية. عليا – جلسة 27 مايو 1989.
ومن حيث إن المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه إذا ذكرت الجهة الإدارية سببا لقرارها فإن هذا السبب يخضع لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقته للقانون وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار، وهذه النتيجة تجد حدها الطبيعي فيما إذا كانت مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونيا، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو من أصول لا تنتجها كان القرار فاقداً لركن من أركانه وهو ركن السبب ووقع مخالفاً لأحكام القانون، وفقا لحكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 7950 لسنة 47 قضائية. عليا الصادر بجلسة 29 يناير 2005.
وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا استقر على أن القاعدة المستقرة هى أن القرار الإداري يجب أن يقوم على سبب يبرره في الواقع وفي القانون، وذلك كركن من أركان انعقاده، والسبب في القرار الإداري هو حالة واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد أحدث أثر قانوني هو محل القرار ابتغاء الصالح العام الذي هو غاية القرار، وأنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها ويفرض في القرار غير المسبب أنه قام على سبيه الصحيح إلا أنها إذا ذكرت أسباباً له فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقيق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي أنتهي إليها القرار حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 32968 لسنة 56 قضائية. عليا - الدائرة الخامسة -موضوع بجلسة 26 مايو 2018.
المحكمة تفند الأسباب في حيثيات الحكم
ومن حيث إنه استهداء بما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن إدراج أسم المدعى بقوائم ترقب الوصل والسفر والتفتيش - كتاب الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة الداخلية رقم 54044 بتاريخ 18 أغسطس 2024 بحافظة مستندات الإدارة بجلسة 27 أغسطس 2024 - بناء على تقدم نقابة الطيارين المدنيين المصرية بشكوى لوزارة الخارجية ضد المدعى لانتحاله صفه سفير بوزارة الخارجية واستغلاله ذلك لتحقيق أغراض غير مشروعة مستخدما جواز سفر دبلوماسي غير معلوم المصدر ولا يتمتع بحصانة دبلوماسية بالبلاد.
ولما كان ذلك - وكان الثابت من الأوراق أن قيام جهة الإدارة بإدراج المدعي تم بناء على طلب من الإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة "التزييف والتزوير"، وبمراقبة السببين الذين ذكرتهما الجهة الإدارية واستندت إليهما في صدور قرارها المطعون فيه، فإنه عن السبب الأول فإن الثابت من إفادة اللجنة النقابية المهنة للطيارين المدنيين المصريين "نقابة الطيارين سابقا"، والمقدمة بحافظة مستندات المدعى بجلسة 11 يناير 2025 تعقب عليها الجهة الإدارية – أن المدعى ليس عضوا بها حال كونه ليس طيارا ولا تربطه بها أى علاقة وغير معلوم لديها ولم يسبق أن تقدمت نقابة الطيارين أو اللجنة النقابية ضده بأى شكوى سواء في الفترة السابقة أو الحالية.
وكما وأنه عن السبب الثانى فإن المحضر الذى استندت إليه الجهة الإدارية رقم 15069 لسنة 2022 جنح النزهة والمقيد برقم 13864 لسنة 2022 إدارى النزهة فهو عبارة عن محضر تزوير في محرر عرفى وتم قيده إداريا "مادة اثبات حالة"، وحفظته النيابة العامة إداريا بتاريخ 11 ديسمبر 2022 - وفقا للشهادة الرسمية المقدمة بحافظة مستندات المدعى بجلسة 19 نوفمبر 2024 - ومن ثم فإنه - والحال كذلك - يغدو القرار المطعون فيه - غير قائم على سببه المبرر له ومخالفا للقانون، مما تقضى معه المحكمة بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
فلهذه الأسباب:
حكمت المحكمة: بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.