التقرير الطبي الشرعي هو شهادة طبية مدونة والغاية منه جلاء الحقيقة المتنازع عليها وهو كبير الأهمية لكونه المستند الرئيسي في إصدار الأحكام القضائية ولأنه يعتبر وثيقة رسمية من وثائق الدعوى، وعليه يجب أن يتميز التقرير الطبي الشرعي بالوضوح والموضوعية ويدعم بالبراهين الطبية العضوية والأدلة المادية ولا يجوز أن يكون مجرد إبداء رأي دون سند أو حجة.
لذلك على الطبيب الشرعي أن يدون العلامات السريرية بدقة ويصف أعراض الشدة والعنف دون قصور أو تشويه وذلك حتى لا تضيع الفرصة في وقت لاحق، والنتيجة في التقرير الطبي الشرعي هي الجزء الأهم ويجب أن تكون معللة ومستقاة من حيثيات التقرير ومبنية على البراهين المادية، فالتقرير الطبي الشرعي الخاطئ يفسد الغاية ويضلل القضاء ويخل بمجرى القضية ويحرف العدالة عن مسارها السليم مما ينعكس سلباً على سمعة القضاء والطب والتي يجب أن تبقى سامية لا ترمى إليها الشبهات والظنون.
تعمل إيه لما نتيجة تقرير الطبيب الشرعي تكون غلط؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في الإجابة على السؤال هتعمل إيه لما نتيجة تقرير الطبيب الشرعي تكون غلط؟ خاصة وأن التقرير الطبي الشرعي بالغ الأهمية بالنسبة للمتقاضين وعليه يتوقف شرف المتهم وحريته وحقوقه، وعليه تتوقف حقوق الضحية من حيث الضرر والعجز والتشويه والتعويض والموت وذلك من خلال توفر العلاقة السببية بين السبب المنتج والضرر الحاصل - بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض الدكتور محمد أحمد الشهير.
في البداية - على الطبيب الشرعي أن يتحلى دائماً بالأمانة والنزاهة والموضوعية والحياد والجرأة ويعطي شهادته الطبية بدقة مجردة من كل تحيز وعواطف أو ضغط خارجي، خاصة وأن تقرير "الطب الشرعي" يعتبر "تقرير خبرة" ومن الممكن أن تلتفت المحكمة عن نتيجته إذا كانت مخالفة لأدلة الدعوى – وأحياناً - تقرير الطب الشرعي في دعاوى التعويض عن "الأخطاء الطبية" من الممكن أن يكون فيه "نتيجة غلط أو غير منطقية" ومن الممكن أن يكون "النتيجة الغلط" تثير شك حول "مجاملة التقرير" – وفقا لـ"الشهير".
الحلول المطروحة لحل الأزمة
وفي حالات كثيرة، دعوى التعويض فيها يتم رفضها لإنتفاء "الخطأ الطبي" بسبب تقرير "الطبيب الشرعي"، ومن الممكن أن يفقد المحامي الأمل بعد ما "الإستئناف يأيد الحكم" – ولكن – هذا ليس نهاية المطاف حيث أنه لو الدعوى فيها "مستندات" أو "وقائع ثابتة" من السهل إستخلاص "ركن الخطأ" منها، فمن اللازم للمحامي أن يثبتها في دفاعه، ويطعن على نتيجة التقرير "بمخالفة الثابت بأوراق الدعوى"، ومحكمة النقض المصرية لها حكم ممتاز قوي في هذه الجزئية، ولابد من الرجوع له في أي دعوى تعويض عن خطأ طبي – الكلام لـ"الشهير".
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 8502 لسنة 76 قضائية، والذى جاء في حيثياته: "المقرر – في قضاء محكمة النقض - أن التزام الطبيب ليس التزاماً بتحقيق نتيجة هى شفاء المريض وإنما هو التزام ببذل عناية إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضى أن يبذل لمريضه جهوداً صادقة يقظة تتفق – في غير الظروف الاستثنائية – مع الأصول المستقرة في علم الطب فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكه الطبى لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهنى وُجِد في نفس الظروف الخارجية التى أحاطت بالطبيب المسئول وانحراف الطبيب عن أداء واجبه وإخلاله بالتزامه المحدد على النحو المتقدم يعد خطأ يستوجب مسئوليته عن الضرر الذى يلحق المريض .
وتضيف "المحكمة": وكان البين من مطالعة تقرير الطبيب الشرعى المندوب في الدعوى أنه قد أورد في صدر تقريره بيان بما فصله الطاعن من أخطاء مهنية عددها نسبها إلى أطباء مستشفى " الحضرة " ومنها تشخيص حالته تشخيصاً خاطئاً أثر حادث السيارة الذى تعرض له بأنها كدمة بالساق والسماح له بالانصراف مع الراحة قبل اكتشاف أن حقيقة الإصابة هى كسر بالساق وليست كدمة، وذلك بعد عودته إلى المستشفى بسبب استمرار الألم وبأن تجبيس الساق قد تم بعد مرور 45 يوماً من تاريخ الحادث إلا أن الطبيب الشرعى أغفل بحث ذلك وأثره في تطور الحالة المرضية للطاعن ودون أن يكشف عن الحقيقة الطبية التى يمكن أن يستقيم معها هذا التشخيص الخاطئ الذى تشهد به أوراق العلاج التى أوردها بتقريره.
كما نسب الطاعن إلى اطباء المستشفى المذكور تجبيس ساقه بطريقة خاطئة نتج عنها التئام الكسر في وضع معيب واعوجاج الساق وكذلك قطع شرايين الساق أثناء جراحة إصلاح هذا الاعوجاج مما أدى إلى تعفن الأوعية الدموية للساق " غرغرينا " وهو ما أسفر عن ضرورة بترها إلا أن الطبيب الشرعى أكتفى في رده على ذلك بإيراد رأى علمى مجرد مفاده أن التئام الكسر في وضع معيب وقطع الشريان المأبضى من المضاعفات المعروفة برغم ما جاء في التقرير ذاته من أن قطع الشريان حدث أثناء العملية الجراحية وبسببها ودون أن يبين في تقريره ما إذا كان الطبيب الذى قام بتجبيس الساق والطبيب الذى أجرى الجراحة قد بذلا العناية الواجبة والتزما بالأصول الطبية الصحيحة في علاج الطاعن واتخذا الاحتياطات الطبية اللازمة في منع حدوث المضاعفات التى قال أنها معروفة كما لم يعرض لما أثاره الطاعن من تراخى أطباء المستشفى المذكور في التدخل الجراحى لعلاج قطع شرايين الساق بما ساهم في تدهور حالة الساق وحصول التعفن في أوعيتها الدموية الذى أدى إلى بترها .
فإن الحكم المطعون فيه إذ أتخذ من ذلك التقرير عماداً لقضائه بنفى أى خطأ أو إهمال من جانب الأطباء المعالجين برغم ما شابه من قصور مبطل في تحقيق ما نسبه إليهم الطاعن من أخطاء طبية وإهمال في علاجه أدى إلى بتر ساقه فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال".