"فى بعض الأحيان أضطر للجوء إلى دفع بعض المال للموظف عندما يعترضنى لمخالفة ما، على الرغم من كونى بعيدا من المخالفات إلا أن بعض الأفراد قد تتفنن فى إلصاق أى مخالفة، لذلك أضطر للجوء إلى دفع بعض المال حتى أخرج من هذا الموقف".. بهذه الكلمات بدأ "إبراهيم. ز"، 39 سنة، مقيم بمحافظة الجيزة، سرد مشكلته لـ"برلمانى" فى محاولة لإيجاد حل قانونى لها.
وتابع: "وأحيانا أخرى أضطر لدفع بعض المال لواسطة ما أو لرجل الترخيص كى استخرج الرخصة أو الأوراق المطلوبة على الرغم من كون كل أوراقى سليمة، فهل هذا العمل يندرج تحت الرشوة، وهل عليه وزر، وماذا أفعل إذا كانت معظم المصالح لا تقضى إلا عن طريق الدفع، وذلك على الرغم من أن ما يُطلق عليه الرشوة من أخطر الآفات التى تصيب أى مجتمع من المجتمعات فى العالم لأنها تضر جهود التنمية والإصلاح وتضر بحقوق المواطنين".
هل يعاقب الشخص على عرض رشوة لدرء عمل ظالم؟
للإجابة على هذه الإشكالية – يقول الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى – أن الرشوة هى اتجار موظف عام فى أعمال وظيفته، ويستوى فى الرشوة أن تكون لأداء عمل حق أو غير حق، وذلك لأن المشرع استهدف من العقاب شرف الوظيفة العامة ونزاهتها، ولهذا لا يصح دفاعا للراشى أنه قدم الرشوة للحصول على حق ثابت له ومشروع، ولكن يثور التساؤل عن حكم الراشى الذى يقدم الرشوة لدرء عمل ظالم؟ مثل من يدفع مال لعسكرى المرور كى لا يحرر له مخالفة لم يرتكبها.
تباين الآراء القانونية بين عقاب الراشى من عدمه لانتفاء القصد الجنائى
ووفقا لـ"صبرى" فى تصريح لـ"برلمانى" – فى الحقيقة المسألة هنا محل خلاف فى الفقه، فذهب رأى إلى عدم عقاب الراشى لانتفاء القصد الجنائى لديه، وذلك لأنه لم يبغى شراء ذمة الموظف بل فحسب درء العمل الظالم المحدق به، وهذا الرأى محل نظر لأن الراشى فى هذه الحالة غرضه أساسا شراء ذمة الموظف وباعثه الخلاص من العمل الجائر، والعبرة فى توافر القصد بالغرض لا بالباعث، وذهب رأى آخر إلى عدم عقاب الراشي، وذلك لتخلف شرط الاختصاص اللازم لقيام الجريمة، وذلك لأن الموظف خلق من عندياته ظروف تعطيه الاختصاص فلم يعد يتصرف باعتباره ممثل للدولة وعاملا من عمالها، وبالتالى فإن عرض الرشوة على مثله لا جريمة فيه، وهذا الرأى بدوره - محل نظر - إذ لا يلزم لتحقق الرشوة أن يكون الموظف مختص فعلا بالعمل الوظيفي، وإنما يصح أيضا الزعم بالاختصاص عن طريق افتعال الواقعة التى تحققه، ويرى القضاء تحقق مسؤولية عارض الرشوة لدرء عمل ظالم طالما لم تتوافر فى شأنه شروط حالة الضرورة، ورفض تبعا لذلك قالة وقوع العارض تحت تأثير إكراه.
ومذهب القضاء بدوره محل نظر، إذ من المستحيل توافر حالة الضرورة فى الفرض محل البحث، والرأى عندنا تحقق مسؤولية عارض الرشوة، إذ من المقرر أن جريمة عرض الرشوة تتحقق فى جانب العارض متى كان العرض جديا إذ يكفى مجرد العرض الذى لا يصادف قبول لدى الموظف العام، وأن كان ذلك يخالف مبادئ العدالة، ولهذا نهيب بالمشرع أن يتدخل لحل هذه المسألة، وإلى أن يتم ذلك فإن القاض بما يملكه من سلطه فى تفريد العقاب يملك تخفيف العقاب – الكلام لـ"صبرى".
من هم فى حكم الموظف العام؟
وفى الحقيقة - تبذل الجهات المعنية بالدولة مجهودات مضنية لضرب أوكار الفساد وحماية مقدرات الدولة وحقوق المواطنين، حيث أن الرشوة معناها متاجرة الموظف العام بأعمال وظيفته من أجل تحقيق مصلحة خاصة؛ تتمثّل فى الكسب غير المشروع من الوظيفة، على حساب المصلحة العامة عن طريق الطلب أو الأخذ أو قبوله لنفسه أو لغيره عطية من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل يعد من أعمال وظيفته أو الاخلال بواجب من واجباتها، كما أن الرشوة من جرائم ذوى الصفة الخاصة فى القانون لأنها تفترض فى مُرتكِبها صفة خاصة لا تقوم الجريمة بدونها، وهي: كون المُرتشى موظفاً عاماً مُختصاً بالعمل الذى تلقّى الرشوة للقيام به، وبناءً على هذه الصفة المُفترَضة، تعدّ جريمة الرشوة، كذلك من جرائم الوظيفة العامة، ويعد فى حكم الموظف العام وفق صريح نص المادة 111 من قانون العقوبات الأتى ذكرهم – هكذا يقول "صبرى":
1- المستخدمون فى المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها.
2- أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أم معينين.
3- المحكمون أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون.
4- كل شخص مكلف بخدمة عمومية.
5- أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم فى مالها بنصيب ما بأية صفة كانت.
شروط انعقاد جريمة الرشوة
ويُضيف الخبير القانونى: جريمة الرشوة لا تتم إلا بانعقاد الاتفاق غير المشروع بين الراشى والمرتشى أو الوسيط بينهما فى ذلك، ولا يشترط فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون قد طلب رشوة للاتجار بأعمال وظيفته، ويستفاد ذلك من نص المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق فى جانب الموظف ومن فى حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً لأداء عمل من أعمال الوظيفة، كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة، إذ يكفى إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذى لا يدخل فى نطاق اختصاصه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص.
جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله، ولو كان العمل الذى يدفع الجعل لتنفيذه غير حق، ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوى القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب فى ذاته وبصورة مجردة داخلاً فى اختصاص الموظف، وما دام أن زعم الاختصاص يكفى لتمام الجريمة لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركنًا فى الجريمة، لأن الشارع سوى فى نطاق جريمة الرشوة بما استنه فى نصوصه التى استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التى تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقًا للعقاب حين يتجر فى أعمال الوظيفة على أساس موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء.
ما هى صور الرشوة؟
إن المشرع قد نص فى المادة 104 من قانون العقوبات - التى عددت صور الرشوة - على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف ومن فى حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال وظيفته، فكل انحراف عن واجب من واجبات الوظيفة أو الامتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة، ومن المقرر قانوناً أنه لا يلزم فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به أو يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة .
ويتوافر القصد الجنائى فى جريمة الرشوة بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وأن العطية إذا قدمت للمتهم تنفيذاً للاتفاق السابق الذى انعقد بينه وبين المجنى عليه لقاء اقتراف جريمته فهذا مما يتحقق به معنى الاتجار فى الوظيفة ويقوم به القصد الجنائى.
نص القانون على حالات للإعفاء منها حتى يتم كشفها
ولأن جريمة الرشوة جريمة خفيه نص القانون على حالات للإعفاء منها حتى يتم كشفها، حيث تنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات على أنه: "يعاقب الراشى والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها"، ومفاد هذا النص أن هناك حالات لإعفاء الراشى والوسيط من العقوبة، الأولى الإبلاغ قبل أو أثناء أو بعد وقوع الجريمة، ويعفى الراشى والوسيط من العقوبة المقررة للمرتشى إذا أبلغ السلطات، وكذا اعترافه بها. فى تحقيق العذر المعفى من عقوبة الرشوة، فيقوم أحدهما مقام الآخر فى ترتيب الإعفاء من هذه العقوبة، وعلة هذا الإعفاء هى أن الراشى - أو الوسيط - يؤدى باعترافه أو بإخباره على السواء - خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذى ارتكابها وتسهيل إثبات الجريمة عليه.
إذا حصل الاعتراف لدى المحكمة فالقانون لم يشترط له أى شرط بل جاء لفظه فيه مطلقاً خالياً من كل قيد زمنى أو مكانى أو كيفى فلا يجوز أن يضع له القاضى قيوداً، بل كل ما له هو أن يتحقق من حصول مدلول لفظ الاعتراف وهو إقرار الشخص بكل وقائع الجريمة وظروفها إقراراً صريحاً لا مواربة فيه ولا تضليل، فمتى وقع هذا المدلول حق الإعفاء بدون نظر إلى أى أمر آخر، أما إذا حصل الاعتراف بالجريمة لدى جهات التحقيق، ثم أنكر التهمة أمام المحكمة ولَم يعترف بها، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء أثره.
عقوبة الرشوة
عقوبة جريمة الرشوة السجن المؤقت، وغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه مصرى ولا تزيد عن مبلغ الرشوة، وفى جميع الأحوال مصادرة مبلغ الرشوة، وقد أكدت المادة 108 عقوبات إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة فيعاقب الراشى والمرتشى والوسيط بالعقوبة المقررة، لذلك الفعل مع الغرامة المقررة للرشوة ويعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من هذا القانون.
وتنص المادة 108 مكرر كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به ووافق عليه المرتشى أو أخذ أو قبل شيئاً من ذلك مع علمه بسببه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة مساوية لقيمة ما أعطى أو وعد به وذلك إذا لم يكن قد توسط فى الرشوة، وتؤكد المادة 109 مكرر عقوبات أن من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام، فإذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين او غرامة لا تجاوز مائتى جنيه.
وتنص المادة 109 مكرر ثانياً عقوبات مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون العقوبات أو أى قانون آخر يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة ولم يتعد عمله العرض أو القبول.
كيف نحارب الرشوة؟
ولمحاربة الرشوة لابد من نشر الوعى بين أفراد المجتمع: للتوعية الكاملة بأضرار الرِّشوة بآثارها الخطيرة على الفرد ذاته وعلى مجتمعه من خلال وسائل الإعلام أو المدارس أو الجامعات ودور العبادة ، الاهتمام بتعيين الموظف المناسب فى المكان المناسب وجوب المُساواة فى التعامل مع الجميع، ولم يُفرق بين أحد عند وقوع جريمة الرشوة ويجب مواجهة تلك الجريمة بكل حزم وفقاً للقانون ، تسهيل الإجراءات المُتبعة فى المعاملات فى المصالح الحكومية والميكنة إحدى طرق الحد من تفشى الرشوة فى المجتمع ، العمل على تحقيق التوازن الاقتصادى وعدالة توزيع الثروات بين أفراد المجتمع: إنَّ توزيع الحقوق على أصحابها دون أى مُحاباة ، وتحقيق العدالة والحيادية من الأمور الهامّة فى التّخلص من الرشوة بشكلٍ قاطع.
رأى محكمة النقض فى الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الأزمة فى الطعن المقيد برقم 1265 لسنة 30 حيث قالت فى حيثيات الحكم: "متى كان الموظف مختصاً بالعمل فلا فرق بين أن يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه، كما يؤاخذ القانون على الرشوة بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف حقاً أو غير حق - فإذا كان الثابت أن مفتش الأسعار وقت أن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن فى مصنع المتهم، إنما كان يقوم بعمل من أعمال وظيفته ولم يكن فى الإجراء الذى قام به أية مخالفة للقانون".
وقد أسفرت الواقعة عن تقديم المتهم بالفعل للمحاكمة عن جريمة أنه طرح للبيع "شيئاً" معبأ فى أغلفة ناقصة الوزن، فإن قضاء المحكمة ببراءة المتهم عن هذه الواقعة استنادا إلى أن عدم التعبئة يجعل الجريمة منعدمة لا يترتب عليه أن المتهم كان فى حالة إكراه معنوى أو حالة ضرورة عند عرض الرشوة، وإنما كان عرضها للتأثير فى مفتش الأسعار وحمله على الإخلال بواجبه بالامتناع عن ضبط الأغلفة الناقصة فى الوزن للتوجه بها إلى مراقبة الأسعار لوزنها هناك، و من ثم كان سليماً ما ذكره الحكم من أن براءة المتهم من واقعة عرضه للبيع " شيئاً" بأغلفة ناقصة الوزن لا يؤثر فى قيام جريمة عرض الرشوة على الموظف.
رأى دار الإفتاء عن عرض رشوة لدرء عمل ظالم
أما دار الإفتاء المصرية حينما عرض عليها السؤال عن عرض رشوة لدرء عمل ظالم، قالت فى الفتوى المقيدة برقم 1713: "فالرشوة التى يتوصل بها المرء إلى حقه الذى لا يستطيع أن يتوصل إليه إلا بها، أو يدفع بها ظلم ظالم يجوز له تقديمها، ويكون الإثم على المرتشين دون الراشي، وأما ما يتوصل به إلى باطل أو إلى ما ليس حقاً له أو حقاً له كان يمكنه الوصول إليه بغيرها، كأن يكون غير صالح لكى يُعطى رخصة قيادة فيدفع مالاً للحصول عليها، فإن هذه رشوة محرمة".