كانت ومازالت وتستمر المسئولية المدنية على قمة المسائل والموضوعات القانونية الجذرية بالبحث والدراسة، ولا غرابة في ذلك، فالحياة متطورة متجددة ومنازعاتها مستمرة متنوعة تتطور بتطور وتقدم الحياة، وكان نتيجة ذلك عدم الثبات النسبى لأحكام وقواعد المسئولية المدنية، فما كان مقبولا بالأمس لم يعد كذلك اليوم، وما هو سائد في مكان ما لا يكون كذلك بالضرورة في مكان أخر.
فعلى سبيل المثال لا الحصر - هل تعلم أن كنت تتولى رعاية أحد أبنائك ممن سنهم قانونا يحتاجون للرعاية، أو كانت ظروفهم الصحية فى حاجة لخضوعهم لرعايتك على نحو ما نص القانون ...؟ فأنت مسئولا مسئولية قانونية عن كل عمل غير مشروع يصدر منهم ويحدث أضرارا بالغير، وهل تعلم أنه حسب طبيعة عملك أو حرفتك قد تكون مسئولا قانونا عن التصرفات غير المشروعة التي يأتيها من هم تحت رعايتك وأشرافك؟ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ}.
كلكم مسئول عن رعيته.. مسئوليتك القانونية لمن هم تحت رقابتك
فلو كنت معلما أو مديرا فى مدرسة، فأنت مسئولا عن تصرفات تلاميذ فصلك أو من هم في فناء مدرستك حسب الأحوال "سواء كانت المدرسة عامة أو خاصة، ولو كنت مديرا لمستشفي أمراض عقلية فأنت مسئول عن أي عمل غير مشروع يصدر من مرضاك، ويسبب أى ضرر للغير، بل لو كنت صاحب عمل أو حرفة أو حتى مشرف فيه ولديك صبية لم يتجاوزوا الخامسة عشر، فأنت تتحمل المسئولية القانونية عن كافة أعمالهم غير المشروعة التي تقع منهم وتسبب أضرارا بالغير، بل لو كنت متزوجا زوجة قاصر بمفهوم المادة التي سأوضحها لك فأنت المسئول مدنيا عمن تؤتيه هذه الزوجة من أخطاء تضر الغير وعليك تعويض هذه الأضرار مادية كانت أو أدبية.
المادة 173 من القانون المدني المصري تحسم النزاع
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض أشرف فواز – نصت المادة 173 من القانون المدني المصري بقولها: 1- كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية يكون ملزوما بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بعمله غير المشروع، ويترتب هذا الالتزام ولو كان من وقع منه العمل الضار غير مميز.
2-ويعتبرالقاصر فى حاجة إلى الرقابة إذا لم يبلغ 15 سنة أو بلغها وكان فى كنف القائم على تربيته، وتنتقل الرقابة على القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف، وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر على زوجها أو من يتولى الرقابة على الزوج.
3- ويستطيع المكلف بالرقابة أن يخلص من المسئولية إذا أثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية.
وبحسب "فواز" في تصريح لـ"برلماني": يتلاحظ من النص أنه يوجد التزام بالرقبة أما مصدره "القانون" أو الاتفاق "العقد & طبيعة العمل" ومثل الالتزام القانوني الأب يتولى رقابة أبنه، ومثل الالتزام الذى يفرضه الاتفاق مدير مستشفى الأمراض العقلية الذى ينبغى عليه رقابة مرضاه، وقيام هذا الالتزام سواء فى المثل الأول أو الثانى هو الذى ترتب عليه مسئولية متولى الرقابة.
القانون المصري لم يحصر الحالات التي يتولى فيها الشخص الرقابة على غيره
ووفقا لـ"فواز": ونسترعى الانتباه أن القانون المصري لم يحصر الحالات التي يتولى فيها الشخص الرقابة على غيره، وأنما ضرب فقط أمثال كالمعلم فى المدرسة والمشرف فى الحرفة التي يمتهنها الصبية، فتنتقل إليهم الرقابة في الأوقات المقررة لتواجدهم في المدرسة أو الحرفة مادام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف، وكذا القاصر من الزوجات تحت كنف زوجها، أما إذا بلغ القاصر سن الخامسة عشر وتحرر من قيود التربية ولم يعد يعيش في كنف أحد وأصبح يكسب عيشه بنفسه فلا يكون مسئولا عنه أحد، أما إذا كان لايزال يعيش بعد 15 في كنف من يقوم على تربيته فالقائم على تربيته هو متولى الرقابة عليه، وتقع عليه المسئولية المدنية في تعويض كل الأضرار التي تتسبب للغير بفعل هذا القاصر.
ولا شك أن الأب أو ولى النفس كالجد هو المسئول عن القاصر الذى يعيش في كنفه، وإذا انتقلت حضانة الصغير للأم أو لغيرها، فتكون بالتالي مسئولة عن تصرفات الصغير غير المشروعة والتي تسبب أضرارا بالغير، فإذا أنتقل الصغير إلى المدرسة انتقلت الرقابة إلى معلمه في المدرسة أو إلى مدير المدرسة مادام الصغير فيها، وأن كانت المدرسة من مدارس الدولة، كانت الدولة مسئولة عن المعلم أو المدير مسئولية المتبوع عن أعمال تابعيه "وتمثل الدولة هنا وزارة التربية والتعليم"، وأن أخذ الولد يتعلم حرفة انتقلت الرقابة على من يشرف على تعليمه الحرفة مدة وجوده تحت إشرافه، ولا ضرورة لوجود "عقد صريح" بالتمرين على الحرفة، فالتمرين الفعلي يستخلص من "عقد ضمني" وهذه مسألة واقع يستقل بتقديرها قاضى الموضوع، ومتى فرغ الصغير من يومه من المدرسة أو الحرفة عادت الرقابة عليه إلى القائم على تربيته وكان مسئولا عنه وعما يقع منه من تصرفات – الكلام لـ"فواز".
الرقابة على القاصر
وقد تكون القاصر بنتا تتزوج قبل بلوغها سن الرشد، فتنتقل الرقابة والمسئولية عليها إلى زوجها مادامت قاصرا، فإذا كان الزوج نفسه تقوم عليه الرقابة لكونه قاصر أيضا أو لأي سبب آخر، فإن متولى الرقابة على الزوج يتولى الرقابة أيضا على الزوجة، فإذا بلغ الصغير الرشد تحرر من الرقابة حتى لوكان لا يزال فى دور التعليم أو كان لا يزال فى كنف ذويه، ولا يسأل أحد بدلا منه مسئولية مدنية لا فى البيت ولا في المدرسة ولا في الحرفة، ذلك أن ببلوغ الرشد أصبح فى غير حاجة للرقابة "والتزام الرقابة أنما يقوم بالحاجة أليه"، وكذلك تتحرر الزوجة من رقابة زوجها أو من رقابة متولى الرقابة على زوجها متى بلغت الرشد وتحل المسئولية الأدبية محل المسئولية القانونية، ومع ذلك قد تدعو الحاجة إلى الرقابة على من بلغ سن الرشد رجلا كان أو امرأة، فلو أصيب البالغ سن الرشد بجنون أو ما فى حكمه من تصرفات تستلزم التقويم قامت الرقابة عليه لتجدد الحاجة إليها نظرا لحالته العقلية.