عادة ما يردد الشخص جمل وألفاظ وعبارات دون أن يدرى أنها تشكل جريمة، وقد تعرضه للحبس، وبسبب ترديدها بشكل مستمر لا يلقى لها بالاً، وقد يظن البعض أنها يتحدث بشكل قانونيا بحت لا لغط ولا مساس فيه، والغريب والعجيب أن أبرز هذه الجمل وأشهرها التي تعرض صاحبها للعقوبة يرددها "رجل قانون" – نعم – كما سمعت يرددها المحامى ليس ذلك فقط، بل يتباهى وينظر لهذا الفهم بين العامة، حينما يترافع في قضية، ويصدر حكم ضده موكله، وبسبب غضبة أهلية الموكل يقول لهم: "المحكمة تحكم براحتها، هتطلع براءة فى الاستئناف".
كم مرة سمعنا هذه الكلمة في أروقة المحاكم والنيابات من رجال قانون، ومن منا لم يسمع هذه الجملة من – محام – ودون أن يدرى هذا الشخص أن الجملة قد تمثل جريمة "إهانة موظف عمومى"، وهى الهيئة مصدرة الحكم، وكذا حينما ينطق المتهم داخل قفص الاتهام عند إدانته "حرام دا ظلم، أنا مظلوم"، ورغم الظرف والحالة النفسية التي يكون متواجد فيها المتهم إلا أن هذه الكلمات تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، فهل بالفعل تصدى المشرع لمثل هذه المواقف.
خلى بالك.. جمل وألفاظ "غير مقصودة" تعرضك للحبس داخل أروقة المحاكم والنيابات
في البداية – يعلق الخبير القانوني والمحامى محمد الصادق – محكمة النقض المصرية تصدت للعديد من هذه الوقائع منذ أنشائها عام 1931، وهناك موسوعات قانونية وقضائية شهيرة تضمنت مثل هذه الوقائع يأتي على رأسها موسوعة المستشار جندى عبد الملك، التي حوت أمثلة من قضاء النقض، لبعض العبارات التى يتوافر بها جريمة إهانة موظف عمومي، أبرزها حكم نقض فى ديسمبر سنة 1929 عن شخص يتحدث إلى مُحضر محكمة، فقال له: "دى موش ذمة، أنا اشتكيك لرئيس المحكمة"، فمحكمة النقض اعتبرت هذه العبارة تمثل جريمة اهانة موظف عام، وكذا حكم نقض فى فبراير سنة 1929 اعتبر عبارة "هذا ظلم" تمثل اهانة بالقول، لما قالها مواطن للمحكمة وهى على المنصة بعد الحكم عليه.
وبحسب "الصادق" في تصريح لـ"برلماني": وأيضا هناك حكم نقض فى يناير 1930 اعتبر عبارة "أنا لسه مترافعتش والمحكمة مخطئة فى الحكم" اعتبرها تمثل اهانة، لما قالها محامى المدعى للمحكمة عقب النطق بالحكم، وهناك حكم نقض فى أبريل سنة 1929 اعتبر عبارة "أن شاء الله يكون الحكم بسنتين زى بعضه، وأن شاء الله هيكون براءة فى الاستئناف" اعتبرها تمثل اهانة لما قالها رجل للمحكمة بشكل يدل على الاستهزاء والسخرية، والأكثر من ذلك، حكم نقض فى مايو 1929 اعتبر عبارة "يحيا العدل" تمثل جريمة اهانة للمحكمة، لما قالها المتهم بعد الحكم عليه، ومحكمة النقض هنا قالت أن الظروف التى قيلت فيها هذه العبارة تعتبر من قبيل المدح فى معرض الذم وهو من شر ضروب التهكم والسخرية، لأن المتهم قالها بعد الحكم عليه، وكذلك لأن القاضى لا يمدح ولا يذم.
الأبرز "المحكمة تحكم براحتها.. هتطلع براءة فى الإستناف" و"يحيا العدل"
ويضيف الخبير القانوني: بل الأغرب من ذلك كله، أن محكمة النقض فى حكم لها فى أبريل سنة 1929 اعتبرت كلمة "إيه؟" تمثل جريمة إهانة للمحكمة، لما قالها المدعى عليه بعد سماع قرار تأجيل الدعوى، وقالت أن فيها نوع من التهكم، وهنا يستوقفنى ملحوظة يجب أن لا نمر عليها مرور الكرام، وهى أنه من الممكن أن يسأل شخص التالى: "إزاي بقول فيه حكم نقض صادر سنة 1905 ومحكمة النقض أصلا تم انشائها سنة 1931؟"، وهنا نُجيب أن نظام الطعن بالنقض قديم جدا، منذ سنة 1883 وكان النقض يتم في الجنايات فقط دون الجنح، وكان ينظر النقض الجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف منعقدة بهيئة محكمة نقض وابرام.
والعقوبة تصل للحبس 24 ساعة لـ 6 أشهر
وتابع: وتوالت تعديلات القانون بخصوص تشكيل المحكمة وعدد القضاة، الى أن صدر قانون سنة 1905 وأكد انعقاد محكمة الاستئناف بهيئة محكمة نقض وابرام من خمسة قضاة، وبعد ذلك صدر القانون - الحالي – 68 لسنة 1931 بإنشاء محكمة النقض، وبدأ العمل بها رسميا في 3 مايو 1931.
يشار إلى أن المشرع يتصدى لإهانة الموظف العام بنوعين من العقوبة والذى يهمنا هنا هي الإهانة بالقول أو الإشارة أو التهديد دون التعدى بالقوة أو باليد، وهو ما أشارت إليه المادة 133 من قانون العقوبات: "من أهان بالإشارة أو القول أو التهديد لموظف عمومي أو أحد رجال الضبط أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 200 جنيه فإذا وقعت الاهانة علي محكمه قضائية أو إدارية أو مجلس أو علي احد أعضائها وكان ذلك أثناء انعقاد الجلسة تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد علي سنه أو غرامه لا تتجاوز 500 جنيه"، ونصت المادة 134 عقوبات: يحكم بالعقوبة المقررة بالفقرة الأولي من المادة السابقة إذا وجهت الإهانة بواسطة التلغراف أو التليفون أو الكتابة أو الرسم".