"كنت أضطر للزواج العرفي، لعدم مناسبة ظروفي الأسرية لتوثيق العقد، بخلاف أنني لا أرغب في إقامة علاقات غير شرعية، ولكن الأمر تكرر بسبب استسهاله، حيث كانت المرة الأولى هي الأصعب، وبعدها كانت الأمور بالنسبة لي أسهل كثيرًا، وكنت اتخذ القرار في ساعات، والأهم أننى كنت أرى أنني لا أغضب الله، طالما في الحلال، وأدفع كامل الحقوق المادية لمن أتزوج منها، بمجرد الانفصال عنها".
كانت هذه كلمات م ع، أحد الذين التقيناهم في مهمتنا التي بدأت بإعلان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بعض الأرقام المتعلقة بالزواج العرفي في مصر، والتي توقفنا عندها، كونها تمثل ظاهرة اجتماعية خطيرة، حتى وإن كانت قديمة، فإن الأرقام الكبيرة التي تم إعلانها جعلت الأمر جدير بالبحث، ولم تكن مجرد أرقامًا للنشر، ورأينا أن الأمر يحمل من الخطورة ما يستدعي البحث في الموضوع بتعمق، لنصل إلى ما يمكنكم قرآته في السطور التالية.
ضمن الأرقام التي كشفتها الإحصائية، أن هذا النوع من الزيجات انتشر أيضًا بين المطلقات، فمن إجمالى عقود التصادق فى 2022 والبالغة 112.391 ألف تعاقد، أقبلن 17 ألف و 626 مطلقة على توثيق زيجاتهن، منهن 3058 مطلقة ارتبطت برجال لم يسبق لهم زواج، هذا بالإضافة إلى، 141 أرملة، والتى كشفت الأرقام أيضًا حولهن أن هناك 47 منهن وثقن زواجهن العرفى من شباب لم يتزوجوا من قبل، و 38 أُخريات وثقن عقودهن مع رجال متزوجين.
يجيب م .ع عن سؤالنا بشأن ظروف وملابسات التكرار، وهل تعلق بالإعجاب أو الحب، أم أنه كان استسهالًا فقط، فيؤكد "أن معظم زيجاته العرفية كانت بسبب إعجاب بسيط، ولأن المسألة بالنسبة له لم تكن مكلفة أكثر من الماديات، وأنه ميسور الحال، فكان يتخذ القرار سريعًا، بلا مزيد من التفكير".
الحالة "م" فاجأنا ردًا على سؤال آخر حول إذا كان عند الزواج يكون مبيتًا لنية الطلاق من عدمه أم لا؟.. وقال: "إنه بالفعل كان يتزوج وهو ينوي الطلاق بعد فترة، بل زادنا في المفاجآت، عندما أكد أن بعض التي تزوجهن عرفيًا كان يتفق معهن على عدم الاستمرار منذ البداية، وبالطبع مع تعهدات بعدم الحمل والإنجاب، أما أُخريات منهن فلم يتفق معهن على الانفصال، غير أنه كان يعرف متى يخرج من العلاقة، ويدفع الحقوق المادية، ويمر الأمر بسلام _ وفقًا لوجهة نظره_".
الجهاز فى إحصائيته حول الزواج بشكل عام وزواج التصادق بشكل خاص، كشف أنه من بين إجمالى 929.4 ألف عقد زواج خلال عام 2022، أقبلت 112.391 ألف امرأة على تسجيل وتوثيق عقود زواجهن "العرفى" لإضفاء صفة "الشرعية" عليه وهو ما يعرف بـ"زواج التصادق"، وكانت المفاجأة فى الأرقام التى كشفها جهاز الإحصاء، حول زواج التصادق، ليست فى تمثيل هذا النوع من عقود الزواج لنحو 12.1% من إجمالى تعاقدات الزواج خلال عام 2022 فقط، وإنما فى تفاصيل تلك العقود، حيث أظهرت البيانات الإحصائية أن أكثر عقود زواج التصادق فى العام الماضى كانت لـ"آنسات"، إذ أقبلت 94 ألفًا و 624 فتاة لم يسبق لها الزواج على توثيق "زواجها العرفى" والتصديق عليه.
وأوضح الجهاز فى بياناته حول زواج التصادق، أن هذا النوع من الزواج ارتفع أيضًا بين المطلقات اللاتى تزوجن برجال لم يسبق لهم زواج من قبل، فمن إجمالى 17.626 ألف مطلقة وثقت عقود زواجها خلال العام الماضى، "صدَقت" 3058 امرأة مطلقة منهن زواجها من رجال "سنة أولى زواج" لم يسبق لهم زواج.
كما رصد الجهاز فى إحصائيته، انتشار زواج التصادق بين الأميين وبين أصحاب الشهادات المتوسطة أكثر منه بين أصحاب الشهادات فوق المتوسطة والجامعية، فمن إجمالى عقود التصادق خلال العام الماضى، استحوذ الأميين على 12 ألفًا و 631 تعاقد، فيما وثق 24 ألفًا و 313 من أصحاب الشهادات المتوسطة عقود زيجاتهم العرفية.
كنا حريصين على الوصول لحالة من السيدات اللاتي تزوجن بهذا الشكل، وبالصدفة اكتشفنا أن "العرفي" كان أول زيجة لها، ورغم أنها تحفظت في البداية على ذكر مزيد من تفاصيل الزواج، إلا أنها أكدت لنا أن ظروفها الأسرية هي التي دفعتها لقبول العرض، حيث لم تستطع الزواج من الشخص الذي أحبته، واستمرت معه 8 سنوات ما بين قصة الحب والخطوبة، غير أن الرياح جاءت بما لم تشتهي به السفن، وتركها حبيبها لمصير مجهول، فما كان منها إلا قبول زيجة لا تناسب طموحها، لأن الظروف كانت أقوى منها.
من بين مفاجآت الإحصائية التى رصدها جهاز الإحصاء فى "زواج التصادق" بمصر أيضًا، جاء توثيق عقود الزواج العرفى بين إناث - لم يسبق لهن الزواج - برجال إما متزوجين أو مطلقين أو أرامل، فهناك نحو 1702 آنسة صدَقن عقود زواجهن من رجال متزوجين، هذا بالإضافة إلى، 822 فتاة وثقن عقودهن مع رجال مطلقين، ونحو 64 آنسة تزوجت "عرفيًا" من أرامل.
تستكمل "إ .خ" حديثها معنا، وتقول إنها تعرفت على فتيات كُثر، من خلال المحامية التي توثق العقود في إحدى مناطق الجيزة، وقد جمعتهن ظروف مختلفة، غير أن المصير واحد، وهو زواج بلا حقوق مضمونة، ومخاطر متعددة، بل أكدت أن الأرقام المعلنة في هذا الشأن أقل من الواقع كثيرًا.
ومن حديث الحالة الأولى معنا، سألناها عن إذا ما كانت قد كررت الزواج العرفي، وهل حدث أن كان هناك اتفاق على عدم الاستمرار؟، فأكدت الأولى، ونفت الثانية، حيث قالت إنها تزوجت عرفيًا مرتين، لكن لم يحدث في أي منهما أن كان هناك اتفاقًا مع الرجل على عدم الاستمرار، موضحة: "أكيد مش هقبل على نفسي إهانة زي كده.. أنا أصلًا بالعافية قبلت الزواج العرفي بسبب ظروفي".
بينما غرقنا في تفاصيل الحالتين، وقبلهما كنا قد أخذنا على أنفسنا عاتق البحث وراء هذه الأرقام التي نراها مرعبة "كمًا وكيفًا"، وقد نال منا الحزن على هذه الحالات ما نال، فإن طاقة نور ما بدت في الأفق، عندما علمنا أن هناك قانون جديد للأحوال الشخصية على بُعد خطوات من التفعيل والتنفيذ، سيتصدى لهذه الزيجات العرفية.
الآن، وفي الناحية الأخرى من الصورة، تبدو الأمور أكثر إشراقًا، فبمجرد العام الذى سيصدر فيه القانون الجديد ويبدأ تطبيقه، لن يكن هناك أى حقوق لمن تتزوج عرفيًا حتى ولو كان هذا الزواج مثبت فى دفاتر رسمية، فمن المقرر أن يعمل قانون الأحوال الشخصية الجديد على تقنين وضع الزواج العرفى الذى تم قبل صدوره، أما بعد صدوره فلن يتم الاعتراف بهذا النوع من الزواج قانونًا، ووفقًا لمشروع القانون الجديد، أنه في حالة وجود زواج عرفى "تم بعد صدور القانون" لن تستطيع الزوجة المطالبة بحقوقها في المحاكم لأنها وافقت على زواج عرفى ليس موثقًا.
لما كان الحديث عن مستقبل الزواج العرفي في مصر له جانب يساهم في ضبط الأوضاع، كان لا يمكن أن ننسى أحوال الزيجات القائمة بالفعل، واستكملنا البحث، وسألنا الأسئلة المنطقية، إذًا ما الوضع الآن لمن هى متزوجة عرفيًا؟.. وهل هناك زيجات عرفية مثبتة؟.. وكم عددها؟، كل هذه التساؤلات أوضحها قانون الأحوال الشخصية الجديد والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء من خلال البيانات الرسمية والإحصاءات الصادرة عنه فى هذا الإطار، وهو الزواج العرفى المشهر أو المثبت، وهو ما يعرف أيضًا فى الدفاتر الرسمية بـ "التصادق"، فزواج التصادق وفقًا لتعريف جهاز الإحصاء، هو زواج عرفى تم بين زوجين بتاريخ حدوثه بينهما مهما طالت مدته لتكتسب الزوجة حقوقها الشرعية.
بالنسبة للتساؤل الأول فى الفقرة السابقة، فأجاب عنه مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، والجارى تجهيزه حاليًا من قبل الحكومة لعرضه على البرلمان، حيث أوضح مشروع القانون فى هذا الشأن أن المتزوجة عرفيًا حاليًا ينطبق عليها ما ينص عليه القانون السارى حاليًا وهو إمكانية الحصول على حقوقها الشرعية طالما تم إثبات هذا الزواج العرفى فى الدفاتر الرسمية، بينما سينتهى هذا الأمر بصدور القانون الجديد، كما ذُكر عاليًا، لأن مشروع القانون الجديد ينص على أنه في حالة وجود زواج عرفى بعد صدوره لن تستطيع الزوجة المطالبة بحقوقها في المحاكم لأنها وافقت على زواج عرفى ليس موثقًا.
أما باقى التساؤلات، فأجاب عليها جهاز الإحصاء وأوضحها من خلال أحدث إحصائياته السنوية حول هذا الأمر "زواج التصادق"، والخاصة بعام 2022، حيث أن مثل هذه الإحصائيات يرصدها الجهاز بشكل سنوى، لعرض كافة التفاصيل بها، من حيث عدد الحالات والفئات العمرية الأكثر إقبالًا على هذا النوع من الزواج ومستواهم التعليمى وأيضًا مكان إقامتهم سواء ريف أو حضر، علاوة على، كل مواصفات الأزواج والزوجات التى يشيع هذا النوع من الزواج بينهم وحالتهم الاجتماعية سواء سبق لهم الزواج، أم أول مرة، أم فى حالة طلاق أو غيرها.
لم تقتصر المفاجآت التى كشفها جهاز الإحصاء فى زواج التصادق، على الحالة الاجتماعية للزوج أو الزوجة فقط، فهى لا تقتصر على انتشاره بين الفتيات اللاتى لم يسبق لهن زواج، أو على زواج مطلقات وأرامل من رجال ليس لهم تجارب زواجية سابقًا، ولكن، اشتملت المفاجآت أيضًا على "السن" وهو المفاجأة الحقيقية هنا أو كما يقال "مفاجأة من العيار الثقيل"، حيث كشفت البيانات الإحصائية أن أكثر حالات زواج التصادق خلال 2022، كانت بين فتيات فى عمر 18 – 24 عامًا.
بلغ إجمالى عقود زواج "التصادق" خلال العام الماضى لفتيات/ آنسات فى عمر 18- 24 عامًا، نحو 83.9 ألف تعاقد، بواقع: "67.3 ألف تعاقد لفتيات فى عمر 18 و 19 عام، 16.5 ألف تعاقد لفتيات فى عمر 20-24 عامًا"، كما أظهرت الإحصائية أن هناك نحو 258 فتاة فى هذه الفئة العمرية "18- 24 عامًا" وثقن زيجاتهن "العرفية" مع رجال فى عمر من 60- 75 عام فأكثر.
فيما جاء العدد الأكبر للفتيات اللاتى وثقن زيجاتهن العرفية، لتلك اللاتى تزوجن بشباب فى عمر 25 عامًا، حيث بلغ عدد عقود "التصادق" بين فتيات فى عمر 18 عامًا وشباب فى عمر 25-29 عامًا، ما يزيد على 38 ألف تعاقد.
ليس فقط الفتيات صغيرات السن هن من يتزوجن برجال كبار السن، وإنما يحدث أيضًا العكس، حيث يتزوج الرجال والشباب بسيدات كبار سن، ولكن، بالرغم من حدوث عقود تصادق بالفعل بين سيدات كبار فى السن وشباب خلال العام الماضى، إلا أن العدد كان محدودً للغاية، حيث لم يتم توثيق زواج "عرفى" خلال 2022 بين سيدات فى عمر 60- 75 عام فأكثر بشباب ورجال فى الفئة العمرية من 18-54 عامًا، سوى 6 حالات فقط.
ولم تقتصر التفاصيل التى رصدها جهاز الإحصاء فى إحصائيته حول زواج التصادق فى مصر، على ما سبق ذكره فقط، وإنما اشتملت أيضًا على، رصد مدة استمرار هذا الزواج وفقًا لسن الزوجة، فعلى سبيل المثال، بلغ إجمالى حالات الزواج العرفى التى استمرت لأقل من سنة فقط، 70 ألف و 163 زيجة، وقد مثلت هذه الحالات العدد الأكبر من حيث مدة استمرار الزواج، تلاها عدد الحالات التى استمرت من 5- 6 أعوام والتى بلغت 29 ألف و 627 زيجة، أما الحالات التى استمر زواجها العرفى من 10- 20 عام فأكثر، فكانت ليست كثيرة، حيث بلغت 1032 زيجة فقط.
وبالنسبة لمدة استمرار الزواج العرفى للفتيات اللاتى تزوجن هذا النوع من الزواج فى عمر 18 و 19 عام، فكانت أقصى مدة هى من 5 – 6 سنوات، فلا يوجد أى زيجة عرفية للفتيات فى هذه الفئة العمرية خلال العام الماضى استمرت أكثر من 6 سنوات، ومن بين تلك المدد، جاء العدد الأكبر - للزيجات العرفية لهذه الفئة العمرية للفتيات - للمدة الأقل من سنة، حيث بلغ العدد بها 49.6 ألف زيجة عرفية، تلاها المدة من 5 – 6 سنوات، والتى بلغ عدد الزيجات بها 20.5 ألف حالة، فيما تراوحت باقى المدد وهى من 1 – 4 سنوات بين عدد حالات تراوح من 550 – 3500 حالة، وكان العدد الأقل لمدة الأربع سنوات بعدد زيجات بلغ 565 زيجة لفتاة فى عمر 18 و 19 عام استمر زواجها العرفى 4 سنوات فقط.
وكانت المفاجأة، فى تلك النقطة، للسيدات كبار السن فى عمر 60- 75 عام فأكثر، حيث يوجد نحو 69 حالة زواج عرفى لسيدات فى تلك الفئة العمرية استمرت 20 عام فأكثر، أما الزيجات التى استمرت لمدة أقل من سنة لهذه الفئة العمرية من السيدات، فقد بلغ عددها 193 زيجة، وبشكل عام، جاءت مدة استمرار الزواج العرفى "أقل من سنة" الأكثر عددًا على مستوى كل الفئات العمرية للسيدات من 18- 75 عام فأكثر، وكما ذُكر من قبل أن أكثر الفئات التى لم يستمر بينها الزواج العرفى سوى أقل من سنة كانت الفئة العمرية 18 و 19 عام، تلاها الفئة العمرية من 20- 24 عام، وفى المقابل جاءت الفئة العمرية من 70 – 74 عامًا الأقل فى مدة استمرار الزواج العرفى لأقل من سنة بـ 19 حالة فقط.
من جانبه، قال عبد الحميد رحيم، الخبير القانونى والمحامى المتخصص فى الشأن الأسرى، إنه لا يوجد شئ اسمه زواج عرفى موثق أو زواج عرفى رسمى، فالزواج العرفى هو ما حُرر فى ورقة عرفية بين شخصين، وقد يلجأ الطرفين فيما بعد لوضعه فى صورة رسمية أمام المحكمة فيتم وقتها رفع دعوى أمام المحكمة تسمى دعوى إثبات زواج، وهنا يتم إثبات هذا الزواج ويصبح منطبق عليه صفة الرسمية، حيث أنه بعد صدور حكم المحكمة، هنا يكون الزواج قد أُفرغ من ورقة عرفية لورقة رسمية وتحول من زواج عرفى إلى رسمى بعدما تم توثيقه، وطالما وثق فى ورق رسمى أصبح زواجًا رسميًا.
وأضاف الخبير القانونى فى تصريحات لـ "برلمانى"، أن الزواج العرفى طالما لم يوثق أمام المحكمة فى ورقة رسمية، يظل زواجًا عرفيًا لا يُعتد به ولا يظهر فى سجلات الدولة، ولكن، يمكن حدوث ذلك بعدما يتم توثيقه أمام المحكمة، بعدها يلجأ الشخص للسجلات والأحوال المدنية لتسجيله وإظهاره على "سيستم" الدولة.
وعن دفاتر التصادق المتوافرة مع المآذين، قال عبد الحميد رحيم، المحامى، إنه إذا ثبتت عليهم تلك الدفاتر، يُعرض المأذون للإحالة إلى التأديب ويحال للتحقيق لأن هذا الأمر ممنوع قانونًا، ولا يوجد شئ اسمه زواج تصادق أو تصادق على زواج، فالمأذون مهمته الرسمية فقط تحرير عقود الزواج الشرعية، لافتًا إلى أن هناك ما يسمى بالتصادق على تاريخ زواج، بمعنى أن شخصيين يلجأوا للمأذون لعمل تصادق على تاريخ زواجهم وعقد زواجهم، ولكن هذا غير قانونى فالتصادق على العقود العرفية من قبل المآذين غير جائز قانونًا.
وأضاف، أن الحالات التى قد يلجأ فيها الأشخاص للتصادق عن طريق المأذون أيضًا، تشمل الأشخاص الذين لم يتموا السن القانونى للزواج، فهنا يقوموا بعمل تصادق لحين بلوغ السن القانونى، كما هناك آخرين يلجأوا للتصادق للتمكن من الإقامة بالفنادق، فالعقد العرفى وحده غير كافٍ، مؤكدًا أنه يجب سن تشريع قانونى لسد ثغرة زواج التصادق على "العرفى" للحد من هذه الظاهرة، وذلك من خلال وضع عقوبة مغلظة لحماية الفتيات والنساء من التلاعب بحقوقهن الشرعية ومن ثم حقوق أبنائهن فى المستقبل.
وأشار رحيم، إلى أنه بحكم عمله فى المجال القانونى، قابل الكثير من الحالات التى ترغب فى الزواج العرفى، وكانت الأسبابب الدافعة لذلك متعددة، منها أن يقوم الزوج بتطليق زوجته غيابيًا ثم يردها بعقد زواج عرفى من أجل الحصول على معاش أب الزوجة على سبيل المثال، وهذا يعد تواطؤ وغش فيما بينهم، قائلًا: "إن هذه الحالة منتشرة جدًا"، ولكن، فى حالة ثبوت ذلك لدى وزارة التضامن والمعاشات يتم وقف المعاش وإحالة الأمر للنيابة العامة.
أما الحالة الثانية كثيرة الانتشار أيضًا والتى يلجأ بسببها الكثير من الأشخاض للزواج العرفى، هو رغبة الزوج فى إخفاء زواجه الثانى عن الزوجة الأولى خوفًا على مشاعرها أو دمار الأسرة، مؤكدًا أن من يرغب فى تحرير العقود العرفية يقوم باللجوء للمحامين لجهله بالصيغة القانونية لكتابة مثل تلك العقود، كما أشار إلى أن حالات الزيجات العرفية والتصادق التى تُرصد من قبل الأجهزة المعنية، يتم الاستناد فيها إلى الحالات المثبتة بالمحاكم أو لدى المآذين من حالات تصادق، ولكن الواقع مختلف تمامًا لأن هناك الكثير من الحالات التى لم تلجأ للمحاكم لتوثيق زواجها العرفى.
وعن طريقة الطلاق والانفصال فى حالات الزواج العرفى، قال عبد الحميد رحيم، الخبير القانون والمحامى فى الشأن الأسرى، إن الطلاق يتم بطريقتين، الأولى تكون بذات الأسلوب الذى تم به الزواج، وهو أن الزوج يُلقى يمين الطلاق على الزوجة شفهيًا ويتم تقطيع الورقتين اللتين تم تحريرهما بينهما، والطريقة الثانية تتم عن طريق المحكمة، وذلك فى حالة رفض الزوج طلاق الزوجة، أو تركه لها مدة كبيرة بدون علمها وترغب فى الطلاق، ففى هذه الحالة تلجأ الزوجة للمحكمة بدعوة شاملة شقين، الشق الأول دعوى إثبات زواج أولًا والشق الثانى دعوى طلب الطلاق، لأنه لا يجوز قانونًا الطلاق من زواج عرفى مباشرة بدون إثبات الزواج ذاته أولًا.
وتابع: "الحالات الوحيدة المستثناة فى هذا الأمر هى دعاوى الخلع، بمعنى إنه يمكن للزوجة المتزوجة عرفيًا رفع دعوى خلع على زوجها بدون إثبات للزواج العرفى أولًا، كما هو فى الطلاق"، لافتًا إلى أن عقد الزواج العرفى لا يترتب عليه حقوق شرعية إلا بعد إثباته، لكن إذا كانت الدعوى دعوى طلاق أى تشمل شقين "إثبات الزواج وطلب طلاق"، هنا ليس من حق الزوجة المطالبة بأى حقوق شرعية وتسقط حقوقها فى هذه الحالة".
ومن الناحية الشرعية، اختلف الأمر نسبيًا عن الناحية القانونية، حيث أكد الشيخ بلال رمضان، المأذون الشرعى والباحث القانونى بالجيزة، أن دفاتر التصادق، هى دفاتر قانونية ومثبتة لدى وزارة العدل مثلها مثل دفاتر الزواج والطلاق، ولا يمكن لأى مأذون العمل فى دفاتر ليس لها صفة قانونية أو شرعية، لافتًا إلى أن معنى كلمة تصادق، أى أن يتم التصديق على زواج تم من قبل بطريقة غير قانونية، مثل أن يكون تم والزوجة دون السن، فبمجرد الوصول للسن القانونية يتم التصادق عل هذا الزواج، خاصة أن عقد التصادق على الزواج به إمكانية تسجيل تاريخين، التاريخ الذى تم فيه الزواج ويسمى تاريخ "العلاقة الزوجية" والتاريخ الذى تحرر فيه عقد التصادق ذاته.
وأضاف رمضان، أن عقود التصادق على الزواج لا تستخدم فى حالة الزواج العرفى فقط، وإنما يمكن اللجوء إليها فى حالة الزواج الشرعى، على سبيل المثال أشخاص متزوجون من 20 أو 30 سنة، ولا يستطيعون استخراج قسيمة زواج مميكنة لفقدان الأصل فى سجلات الدولة، فيلجأوا وقتها إلى عمل عقد تصادق على زواج، ليكون بمثابة ورقة رسمية معهم يستخدمونها فى الجهات الحكومية، فعقود التصادق على الزواج يُعتد بها مثلها مثل عقود الزواج الأخرى.
وأشار المأذون الشرعى بلال رمضان، إلى أن معظم الأسباب التى تدفع من تزوجوا عرفيًا من قبل للتصادق على زواجهم، هو أن الزوجة بلغت السن القانونى للزواج بعد أن تم الزواج العرفى وهى دون السن، أو أنه بات هناك أولاد أو أنه أصبح مطلوب منهم ورق رسمى يحتاجونه فى إحدى الجهات الحكومية، مؤكدًا أن الزواج دون السن مرفوض فى وقتها وإذا تم إثباته وقت حدوثه يتعرض كل المسئولين عنه من الأسرة أو إذا كان هناك مأذون أيضًا أو محامى للمسآلة القانونية، ولكن لا تتم المحاسبة عليه بأثر رجعى، بمعنى أنه إذا جاء الطرفين للتصادق عليه بعد بلوغ الزوجة السن القانونية للزواج لا تتم المسآلة على ماضى هذا الزواج.
وأكد الشيخ بلال رمضان، أن دفتر التصادق على الزواج بمثابة "باب" لإصلاح الأخطاء التى تمت فى طريقة الزواج بعيدًا عن علم الدولة والقانون وقت حدوث الزواج، لافتًا إلى أنه لا يوجد أى فرق بين هذا العقد وبين عقد الزواج "العادى" سوى فى موضوع التاريخ الذى تم الإشار إليه من قبل، وهو أن عقد التصادق به إمكانية كتابة تاريخ حدوث الزواج وكذلك تاريخ تحرير العقد ذاته، أما عقد الزواج "العادى" يكتب به تاريخ تحرير العقد فقط باعتبار أنه لم يكن هناك علاقة زوجية بين الطرفين من قبل.
وأضاف رمضان، أن المتزوج عرفيًا يمكنه عمل عقد زواج شرعى وليس تصادق، ولكن، فى حالة وجود أولاد يصعب عليه هذا الأمر، ويكون الحل الوحيد أماه هو التصادق على الزواج، لإثبات تاريخ حدوث الزواج من قبل وإلا سيكون هناك تساؤل من أين هؤلاء الأولاد وأنت تحرر عقد زواج بتاريخ اليوم؟!، مؤكدًا أن المستندات التى تُطلب فى عقود الزواج هى ذاتها المطلوبة عند التصادق على زواج، والنوعين من العقود يتمتع الطرفان فيهما بكافة الحقوق الشرعية لكل منهما، وكذلك فى حالة الطلاق، تكون كل الضوابط واحدة.
وأشار إلى أن التصادق على الزواج، لا يحتاج اللجوء إلى المحكمة لعمله، فاللجوء إلى المحاكم يتم فى حالة حدوث بين الزوج والزوجة، والزوج يرفض الاعتراف بالزواج أو بالنسب على سبيل المثال، ففى هذه الحالة تلجأ الزوجة للمحكمة لإثبات الزواج أو النسب، ولكن لا يترتب عليه فى تلك الحالة حقوقًا شرعية لها، فهنا تسقط حقوقها لأنها اخطأت من البداية فى طريقة الزواج وعليها تحمل العواقب، وكل ما تحصل عليه من مكاسب فى هذه الحالة فقط، هو إثبات المحكمة لزواجها أو نسب أطفالها.
وتابع: "ولكن فى الحالات العادية وعدم وجود أى خلافات بين الزوجين، لا يشترط اللجوء للمحكمة للتصادق على الزواج، فهذا الأمر يتم لدى المأذون، خاصة كما ذكرنا من قبل أن دفتر التصادق على الزواج هو دفتر رسمى من وزارة العدل وموثق، لافتًا إلى أن تحرير العقود العرفية ليس من شأن المآذين، فالمأذون ملتزم بضوابط شرعية وقانونية يجب السير عليها حتى لا يتعرض للمسألة، ولكن قد يقوم بعض المحامين بذلك، لأنه فى أغلب الأوقات لا يهتم المحامى بالناحية الشرعية وما يجوز فيها أو لا يجوز، مضيفًا أن، حالات التصادق على الزواج منتشرة بشكل كبير، ومعظمها بسبب زواج تم من قبل والزوجة كانت دون السن.
لم نحاول في هذا التحقيق، الوصول إلى فرضيات بعينها، أو إثبات شيء بعينه، بقدر ما كنا حريصين على أن نصل من خلال ما نكتب إلى نتيجة إيجابية، تكون من خلالها الصورة أوضح لدى الجميع، ويضطلع كل بمسؤولياته، ونحذر المجتمع من انتشار كل ما هو ظاهرة سلبية، أو كل خطوة بها إهدار لحقوق عناصر هذا المجتمع، وقد قابلنا الحالات، لتكون العظة، ونشرنا الأرقام، لتكون محل بحث المسؤولين عن معالجة هذا الظواهر، وعرضنا رأي القانون والدين، ليأخذ كل فرد المنطق الذي يتوافق مع رؤيته وعقله.