الواقع والحقيقة يؤكدان أن العالم شهد في الآونة الأخيرة تطورا هائل في وسائل الاتصالات تعددت بشكل فائق ومذهل، فلم تعد المسافات حائلا بين الإنسان وبين ما يريد الوصول إليه، وأصبح استخدام تلك الوسائل يتعدى الأمور العامة، ليشمل جوانب كثيرة في حياة الإنسان كالاقتصادية والاجتماعية، وظهر ما يسمى بالطلاق الإلكتروني، وهو حل الرابطة الزوجية باستعمال الوسائل إلكترونية، ولأن الطلاق من المسائل الجدية والخطيرة، وجب النظر فيه، والعمل على بيان أحكامه، وذلك في محاولة للخروج من هذه الأزمة التي من شأنها تدمير وخراب البيوت.
فقد انتشرت فى الأونة الاخيرة ظاهرة الطلاق الإلكترونى والتى تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعى "الواتس اب"، و"الفيس بوك"، و"ماسنجر"، و"تليجرام"، وتطبيق "التيك توك"، والرسائل النصية القصيرة، وفيها يقوم الزوج بإرسال رسالة صوتية أو مصورة فيديو أو مكتوبة بالطلاق الصريح، وقد يقوم الزوج بحذف الرسالة قبل قرائتها من الزوجة، ولهذا لابد من الإشارة الى وسائل الإثبات من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعى، خاصة وأن الشريعة الإسلامية تعتد بالكتابة أسوة بالألفاظ، وفهل هذا الطلاق واقع لا محالة؟، أم يحتاج فيه إلى الرجوع إلى الزوج الذي حرر هذه الرسالة لتعزيز الطلاق؟
الطلاق الإلكترونى بين التأويل والتطبيق
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بالطلاق الإلكترونى، والذى تترتب على وقوع الطلاق آثار متعددة منها استحقاق الزوجة للحقوق المؤجلة والتى تشمل مؤخر الصداق، وقائمة المنقولات ونفقة العدة والمتعة ومنها قطع نفقة الزوجية ومنها أيضا استحقاق المطلقة لمعاش الوالد أو الوالدة، واخيرا نقص عدد الطلقات الثلاثة وانتهاء الرابطة الزوجية بالطلقة الثالثة، خاصة وأن هناك من يرى الطلاق الإلكتروني وسيلة جديدة لإثبات الطلاق وليس نوعاً جديداً، وبالتالي لا يصح القول بأنه يسبب أثر سلباً في المجتمع أو يشكل عبئاً على كاهل الجهات العدلية مستقبلاً – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض علاء مبروك.
في البداية - لابد من أخذ ظاهرة الطلاق الالكتروني ضمن فهمنا لخصائص المجتمع الافتراضى، فالناس يتفاعلون افتراضيا من خلال النت والهواتف والإيميل، وكافة وسائط الاتصال الإلكترونية الحديثة، والتفاعل الافتراضى قد طغى على التفاعل وجهاً لوجه خاصة أنه قد تطور الأخير وأصبح تفاعلا تفاعليا بالصوت والصورة، فالنت أصبحت سوق اقتصادية كبيرة، لم تتوقف خـدماتها على الــمال والأعمال، ولكن تعدتها إلى القضايا الاجتماعية، فغرف الدردشة التي تتيح للناس التواصل مع الشخص والمجموعة التي يراها مناسبة، سواء كان ذلك بانكشاف الهوية (الهوية الحقيقة) أو خفاء الهوية، ففي المجتمعات التقليدية تتيح هذه الخاصية للمرأة والرجل على حد سواء التسوق الحر والتفـاعل الحر مع الآخرين – وفقا لـ"مبروك".
وهنا لابد من التأكد من ثلاثة أمور:
أولا: لابد من إقرار الزوج بوقوع الطلاق وأنه بالفعل طلق زوجته، فإنه يصدق فى دعواه، لأنه ادعى أمرا يملكه ما دامت الزوجية قائمة .
ثانيا: البينة وشهادة رجلين عدلين، فإن قامت البينة على أن الزوج طلق زوجته للقاضى أن يحكم بمقتضى هذه البينة .
ثالثا: القضاء وللقاضى ولايته فى رفع الظلم عن الزوجة بالتفريق بينها، وبين زوجها فى حالة وقوع ضرر .
والطلاق الشفوى وفقا لبيان هيئة كبار علماء الازهر
والطلاق الشفوى وفقا لبيان هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، والذى نص على: "وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق"، ولذلك فإن وقع الطلاق بواسطة وسائل التواصل الاجتماعى فلابد من التحقق من نسبة القول لقائله نظرا لتوافر التقنيات التكنولوجية الحديثة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى والتى توفر الحذف وتقليد الأصوات تماما واستخدام صور الأشخاص فى صنع فيديوهات وانشاء محتوى مزيف بالكامل، الأمر الذى يتعذر كشفه – الكلام لأستاذ القانون الجنائى.
ولذلك لابد من التحقق من المكالمات الهاتفية أو الرسائل الصوتية والنصية أو الفيديوهات فى دعاوى الطلاق بمحاكم الأسرة، فإن تبين زيفها، فيحكم القاضى بعدم اثبات الطلاق ولابد من وجوب استدعاء الزوج ومواجهته بمضمون ذلك المحتوى عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فإن اقر الزوج بمضمون ذلك المحتوى وصحة تلك الرسائل والفيديوهات حكم الفاضى بمقتضى اقراره حيث أن اقراره حجة عليه ، والأمر الأخر إذا قدمت الزوجة للقاضى فيديو يقول فيه الزوج لزوجته "انت طالق"، وعند مواجهة الزوج نازع الزوج وقدم للقاضى ما يفيد الحاح زوجته عليه بالطلاق فقلت "لن أفعل، ولن أقول لك انت طالق"، فقامت الزوجة بعمل مونتاج للفيديو وحذفت أول الكلام الذى يظهر الحقيقة والقرار هنا للمحكمة وشأنها – طبقا لـ"مبروك" .
لابد من التحقق من نسبة القول لقائله
وقد يكون وقوع الطلاق بالكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعى وهى ما يطلق عليها الكتابة المستبينة لا يقع الطلاق بها: نظرا لعدم إثبات أن كاتب هذا اللفظ هو الزوج ومن هاتفه ومن حساباته الشخصية فقد يكون شخصا أخر قام بسرقة الهاتف أو هاكرز على البيانات والحسابات الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وقد يكون قد تم إرسال رسالة نصية لا يعلم عنها شيئا بواسطة أحد المقربين منه للوقيعة بين الزوجين، وهنا يرجع الأمر إلى نية الزوج فإن أقر بصدورها عنه وبإرادة الطلاق منها وكامل أهليته وقعت عليه طلقة وأن لم يقر فلا يقع الطلاق – هكذا يقول "مبروك".
واخيرا يقول "مبروك": لابد من الإشارة الى أن يقوم الزوج بإرسال رسائل صوتية وفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعى، ثم يقوم بحذفها هذه القرينة لا تكون حجة على الزوج إلا عند إقراره بها، وقيامه بحذف تلك الرسائل لا يسقط الطلاق، ومن هنا لابد من إقرار الزوج بصدورها عنه ثم يقر بحذفها، وبالتالى فقد لزمته الآثار المترتبة على وقوع الطلاق، وذلك لأن الطلاق لا يقبل الرجوع فمتى تلفظ الرجل بعبارة الطلاق عاقلا مختارا، فلا يمكنه الرجوع فيه، وقد ينكر الزوج صدور عبارة الطلاق، فلابد للزوجة من اتيان شهود اثبات لتلك الواقعة، وقد يقوم الزوج بحذف عبارة الطلاق وانكاره، أيضا لا يقع الطلاق لان يقين النكاح لا يزول بإدعاء الطلاق واليقين لا يزول بالشك ولأن الطلاق باللرجال والعدة بالنساء لكن أن تيقنت الزوجة من الطلاق وكان مكملا للثلاث طلقات فعليها أن تفتدى نفسها .
رأى دار الإفتاء في الطلاق الإلكترونى
ما حكم طلاق الرجل لزوجته من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل "فيس بوك ـ واتساب"؟، سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية، مؤكدة أن طلاق الفيس بوك والواتساب، ومواقع التواصل الاجتماعي أو ما يسمى الطلاق الإلكتروني عبر أي وسيلة إلكترونية، يدخل ضمن أحكام طلاق الغائب وله صورتان، نستعرضها في السطور القادمة.
وأوضحت دار الإفتاء في معرض إجابتها عن السؤال، أنه في حال وقوع الطلاق بالتواصل المباشر سواء بالصوت فقط أو بالصوت والصورة بالفيديو كول، يكون حكمها حكم التواصل الطبيعي، ويقع نفس أحكامه، مشيرة إلى أن السبب في ذلك هو وجود شخصين على نفس الوسيلة في نفس الوقت يأخذ حكم الوجود الفعلي ويتيح إمكانية مشاهدة المتعاقدين أثناء الموافقة أو غيرها.
الطلاق عن طريق رسالة مكتوبة
واعتبرت أن الطلاق عن طريق رسالة مكتوبة عبر هذه الوسائل سواء الواتس اب والفيس بوك دون تلفظ بالطلاق، يتوقف الحكم فيه على نية المطلق وقصده للفظ، وهل تلفظ بلفظ الطلاق أم لا، فإذا تلفظ بالطلاق يقع طلاقه، وإن لم يتلفظ بالطلاق فيتوقف الحكم على قصده من كتابة الرسالة، واستدلت الدار على ذلك بما ورد عن الحنفية والمالكية والشافعية أن طلاق الرسائل والمكتوبات تحتاج إلى نية وقصد المطلق.
حكم الطلاق الإلكتروني
من جانبه، قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أكد في فيديو له أن الرسائل والمكاتبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، مؤكدا أنه لا بد من سؤال الزوج الكاتب عن نيته؛ فإن كان قاصدًا بها الطلاق حُسِبت عليه طلقة، وإن لم يقصد بها إيقاع الطلاق فلا شيء عليه، وشدد على أن هذا الأمر لا يُعرف إلا بحضور الزوج وسؤاله ومعرفة مقصده ونيته، قائلا: "إنه لا يؤخذ بالطلاق عن طريق الرسائل الإلكترونية إلا بعد التحقق منها ومعرفة مقصد الزوج ونيته".