الجمعة، 22 نوفمبر 2024 02:54 م

"الخلوة الشرعية في السجون"..هل يحق للمسجون الاختلاء بزوجته؟..التشريعات العربية إجازت ذلك والقانون المصرى خلى من إباحة الأمر ..طبقت خلال فترة الثمانينات "انتقائيا".. و"الإفتاء" أجازتها.. وتباينت الأراء حولها

"الخلوة الشرعية في السجون"..هل يحق للمسجون الاختلاء بزوجته؟..التشريعات العربية إجازت ذلك والقانون المصرى خلى من إباحة الأمر ..طبقت خلال فترة الثمانينات "انتقائيا".. و"الإفتاء" أجازتها.. وتباينت الأراء حولها الخلوة الشرعية فى السجون - أرشيفية
الخميس، 12 سبتمبر 2024 09:00 ص
كتب علاء رضوان

طفى على السطح خلال هذه الأيام الحديث عن مسألة "الخلوة الشرعية في السجون"، بإعتبار أنه عندما يرتكب أحد الزوجين، ذنب أو جريمة يعاقب عليها القانون، ويقضي عقوبته بالسجن، فإن شريكه أو شريكته في الحياة يحبس هو الأخر ولكن خارج أسوار السجون، وباعتبار أيضا أن الحكم على الإنسان بعقوبة السجن لا يعني على الإطلاق حرمانه من حقوقه، هذه الأخيرة التي كفلتها له العديد من المواثيق الدولية، وسعت إلى تكريسها جُل دول العالم ضمن تشريعاتها الوطنية.

 

وهناك من يتحمل العديد من المتاعب رغم أنه غير مذنب، فالزوجة التي تؤخذ بذنب زوجها أو العكس في حالة سجن الزوجة، تحمل العديد من المشاكل والمتاعب ومن أبرز تلك المشكلات التي تواجه الزوجة هي الحصول على حقوقها الشرعية كزوجة دون مهانة أو إساءة، تلك الحقوق التي كفلتها كل الأديان السماوية، وهو ما يفتح الباب أمام ملف "الخلوة الشرعية في السجون" الذى يلقى انقساما شديدا بين مؤيد ومعارض للفكرة رغم أن حق الخلوة الشرعية بين المسجونين وزوجاتهم من حقوق الإنسان التي نصت عليها المواثيق الدولية، كما أن العديد من الدول العربية طبقت بنجاح تلك التجربة.  

 

دج

 

رأي دار الإفتاء المصرية بشأن الخلوة الشرعية

 

في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على مسألة الخلوة الشرعية في السجون من حيث الأسباب والظروف والفتاوى، خاصة وأن الخلوة الشرعية داخل السجون بين السجناء "رجالاً ونساء"، واحدة من القضايا المثارة من وقت لآخر على ساحة الرأي العام، ووصلت إلى البرلمان في بعض الدورات التشريعية، ونقابة الأطباء وجمعيات حقوق الإنسان بمصر، خصوصاً أن دراسات أكدت أن عدم تمكين السجناء من هذا أدى إلى انتشار عدد كبير من الأمراض الخطيرة داخل السجون، كذلك تناولت الأفلام السينمائية هذه المشكلة، بهدف تسليط الضوء عليها، وصولاً إلى إيجاد الحلول التشريعية لها – بحسب الدكتور أحمد عبد الظاهر، أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة.

 

في البداية - يقدر البعض عدد نزلاء السجون أو مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي المصرية ببضع مئات الآلاف، يبلغ عدد المتزوجين منهم ما يزيد على الثلثين، وفى الحقيقة هناك 3 فتاوى، جميعها صادرة عن مفتي الديار المصرية الأسبق الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد، وهذه الفتاوى الثلاثة جميعها تؤكد على أنه: "ليس هناك مانع شرعي من خلوة المسجون بزوجته أو العكس"، كما أن مفتي مصر الأسبق الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل قد أصدر فتوى أثناء توليه منصبه، جاء فيها: "أن القيام بالعلاقة الزوجية حق لا ينبغي أن يحرم منه المسجونون، وأن حرمان المسجون من تحقيق الخلوة الشرعية بزوجته بمثابة عقاب للزوجة التي لم تقترف خطأ يدخلها السجن، ومع ذلك تحرم من حقها الشرعي في العلاقة الطبيعية مع زوجها" – وفقا لـ"عبدالظاهر".  

 

ط

 

مراعاة الإسلام إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية

 

واستندت هذه الفتاوى لعدة أسانيد أبرزها مراعاة الإسلام إشباع الحاجات المادية والروحية للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، وهذا من مظاهر الوسطية والتوازن في الشريعة الغراء، وقد جعل الشرع الشريف لكل من الزوجين حقوقاً وواجبات تجاه الآخر، ومن هذه الحقوق المعاشرة الزوجية بمعناها الخاص، فذهب جمهور الفقهاء إلى أن من حق الزوجة على زوجها أن يعاشرها مرة في كل طهر أو شهر على الأقل ما لم يكن عذر شرعي يحول بينه وبينها، لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾، وذهب الإمام الشافعي إلى أن ذلك حق له كسائر الحقوق لا يجب عليه – الكلام لـ"عبدالظاهر". 

 

 

وقدر الإمام أحمد بن حنبل زمن وجوب إتيان الزوجة بأربعة أشهر قياساً على الإيلاء الذي قال فيه تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ۞ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، فإذا كان الزوج في سفر، ولم يكن لديه عذر مانع من رجوعه إلى زوجته، فإن الإمام أحمد ذهب إلى توقيت إتيان الرجل زوجته في هذه الحالة بستة أشهر، فقد سئل: كم يغيب الرجل عن زوجته؟ قال: 6 أشهر يكتب إليه، فإن أبى أن يرجع إليها وعجزت هي عن الذهاب إليه مع محرم فرق الحاكم بينهما، وحجته في ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سأل ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها: كم تصبر المرأة على زوجها؟ فقالت: خمسة أشهر أو ستة أشهر. فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهراً ويقيمون أربعة أشهر ويسيرون راجعين شهراً. 

 

دحتي

 

عدم جواز حرمان الرجل من زوجته على سبيل التعزيز

 

ومن تلك الأسانيد أيضا ما نص عليه الفقهاء على أن التعزير يكون بضرب أو صفع أو حبس أو نفي أو قيام من مجلس أو كشف رأس أو تسويد وجه أو حلق رأس لمن يكرهه أو إركاب الحمار منكوساً والدوران به على هذه الهيئة بين الناس أو تهديده بأنواع العقوبات، ولا يجوز التعزير بحلق اللحية أو قطع طرف أو جرح، وحصرهم هذا يبين إجماعهم على عدم جواز حرمان الرجل من أهله على سبيل التعزير - وعلى ذلك - فليس هناك ما يمنع شرعاً من إجازة التقاء المسجون بزوجته أو العكس، ومدة البعد بين الزوجين التي تبيح طلب التطليق عند تضرر الزوجة هي سنة أو ما زاد عنها طبقاً للمعمول به أمام المحاكم المصرية، وليس هناك تعزير في الشريعة بحرمان الشخص من زوجته، حيث كان ذلك خاصّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة المخلفين – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.

 

حرمان الزوجة من معاشرة زوجها السجين يتنافى مع شخصية العقوبة

 

وضمن هذه الأسانيد إن شخصية العقوبة مبدأ من مبادئ الإسلام، فلا يؤخذ شخص بجريرة غيره، مهما كانت القرابة، وفي ذلك، يقول تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ ويقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، فالعقوبة إذن في الإسلام شخصية لا تتعدى الجاني إلى غيره، ومن ثم، ولما كانت العلاقة الجنسية تفترض وجود شخصين أو طرفين مختلفين، لذا فإن حرمان الزوجة من المعاشرة الجنسية مع زوجها السجين يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة، فالخلوة حقّ مشترك بين الزوجين – هكذا يقول "عبدالظاهر". 

 

طظسسس

 

تنظيم الخلوة الشرعية راجع إلى ولي الأمر

 

ورغم أن الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء تؤكد على عدم جواز حرمان الزوجة من المعاشرة الجنسية مع زوجها السجين، ورغم أن الفتاوى تؤكد عن عدم جواز حرمان الرجل من زوجته على سبيل التعزير، فإن هذه الفتاوى تؤكد على أن تنظيم الخلوة الشرعية راجع إلى ولي الأمر. بل إن الفتاوى وصلت إلى حد إجازة منع الخلوة الشرعية، بقولها إن "الأمر في ذلك راجع إلى جهة الإدارة لفعل ما تراه صالحاً للمجتمع من المنع أو الإباحة"، وتعليقاً على ذلك، نرى أن ثمة فارق كبير بين التنظيم والمنع، ومع ذلك، يمكن فهم كلمة "المنع" هنا بمعنى المنع في ظروف استثنائية معينة، وليس المنع المطلق.

 

الخلوة الشرعية في خطة التشريعات العربية

 

باستقراء خطة التشريعات العربية في الموضوع الذي نحن بصدده، يبدو سائغاً التمييز بين اتجاهات ثلاثة؛ أولها، يتوسع في تقنين الحق في العلاقة الجنسية الزوجية، مع استخدام مسميات وآليات أكثر إنسانية لاقتضاء المسجون حقه في العلاقة الجنسية مع زوجه، وثانيها، يقتصر على تقرير حق المسجون في الخلوة الشرعية أثناء زيارة الزوج أو الزوجة إلى مكان تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، أما ثالثها، فقد ورد خلواً من النص على حق السجين في الخلوة الشرعية بل إن النصوص ذات الصلة بالزيارة قد توحي بأن هذا الأمر غير مسموح به. 

 

نصر

 

الخلوة الشرعية في القانون السعودى

 

في المملكة العربية السعودية، وطبقاً للمادة الثانية عشرة من نظام السجن والتوقيف، الصادر المرسوم الملكي رقم م/31 بتاريخ 21/ 6/ 1398ه، "تحدد اللائحة التنفيذية قواعد زيارة المسجونين والموقوفين ومراسلاتهم كما تضع قواعد معاملة الموقوفين وجواز حصولهم على طعام على نفقتهم الخاصة وارتدائهم زيهم الخاص فضلا عما يتقرر لهم من حقوق ومزايا أخرى. ويجوز لوزير الداخلية أن يقرر منح كل أو بعض المزايا المقررة للموقوفين المحكوم عليهم بمدد لا تتجاوز سنة في جرائم لا تتسم بالخطورة"، وبناء على التفويض التشريعي الوارد في هذا النص، تضمنت اللائحة التنفيذية والقرارات الوزارية التنفيذية الصادرة عن وزير الداخلية بعض الآليات التي تكفل حق المسجون في العلاقة الجنسية الزوجية، وبحيث يبدو سائغاً القول إن المشرع السعودي يتبنى اتجاه التوسع في تقنين الحق في العلاقة الجنسية الزوجية، مقرراً للمسجون ثلاث آليات مختلفة لاقتضاء هذا الحق، وهي:

 

زيارة الاختلاء الشرعي داخل السجن:

 

بموجب المادة الثانية عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام السجن والتوقيف الصادرة بالقرار رقم 3919 تاريخ 22/9/1398هـ، تقرر حق المحكوم عليه بالخلوة الشرعية مرة واحدة بالشهر، كذلك، فإن الفقرة (13) من المادة الأولى من تلك اللائحة والصادرة بالقرار الوزاري رقم (3919) في 22/ 9/ 1398هـ، تتيح للنزلاء الخلوة الشرعية.

 

دديييي

 

وفي تاريخ لاحق، وبعد ثماني سنوات من تطبيق اللائحة، صدر قرار وزارة الداخلية رقم 3517 تاريخ 21/7/1406هـ بالاستمرار في تنفيذ المادة 12 من اللائحة التنفيذية لنظام السجن والتوقيف الصادرة بالقرار رقم 3919 تاريخ 22/9/1398هـ والخاصة بحق المحكوم عليه بالخلوة الشرعية مرة واحدة بالشهر. إذ ينص البند (أولاً) من القرار الوزاري المشار إليه على: "استمرار تنفيذ المادة المذكورة التي تعطي للمحكوم والموقوف حق الخلوة الشرعية مرة واحدة في الشهر"، ويحدد البند (ثانياً) من القرار الوزاري ذاته الحكم واجب الاتباع في حالة تعدد الزوجات، بنصه على أن: "يحق لمن له أكثر من زوجة بالخلوة كل خمسة عشر يوماً بحيث لا يزيد اجتماعه بالواحدة منهن في الشهر عن مرة واحدة".

 

وسيراً في الاتجاه ذاته، تضمن قرار صاحب السمو الملكي وزير الداخلية رقم (1745) وتاريخ 17/6/1411هـ أن يتاح للمحكوم عليهم والموقوفين الذين مضى عليهم في السجن ثلاثة أشهر فأكثر فرصة الاختلاء الشرعي بزوجاتهم مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، مع تخصيص أماكن مناسبة للخلوة الشرعية منفصلة عن أنظار الزوار والمراجعين داخل السجن وتأثيثها بالأثاث المناسب. 

 

و

 

إجازة الخلوة الشرعية خارج السجن:

 

بالإضافة إلى زيارة الاختلاء الشرعي داخل السجن، تضمن القرار الوزاري رقم (1745) وتاريخ 17/ 6/ 1411ه أنه يجوز منح السجين حسن السيرة والسلوك بعد مضي نصف محكوميته التي لا تقل عن سنة واحدة إجازة مدتها أربع وعشرون ساعة خارج السجن لغرض الخلوة الشرعية، وغني عن البيان في هذا الصدد أن أحد أهداف هذه الإجازة هو ربط السجين اجتماعيا بالأسرة والمجتمع.

 

زيارة اليوم العائلي داخل السجن:

 

تطبق السجون في المملكة العربية السعودية نظام زيارة اليوم العائلي داخل السجن، حيث تم إنشاء عدد من الوحدات السكنية خصصت لبرنامج زيارة اليوم العائلي مجهزة بكامل الخدمات المنزلية، حيث يستطيع السجين الاجتماع بعائلته كاملة (الزوجة والأولاد) في الوحدة السكنية من الصباح وحتى المساء، وكأنه في منزله. 

 

ظس

 

اتجاه تقنين الحق في الخلوة الشرعية داخل السجن مثل دولة البحرين

 

خلافاً للاتجاه سالف الذكر، تبنت بعض التشريعات العربية اتجاه الاقتصار على تقنين الحق في الخلوة الشرعية داخل السجن، ففي مملكة البحرين، على سبيل المثال، وطبقاً للمادة الثانية والستين من قرار وزير الداخلية رقم 131 لسنة 2015 بشأن اللائحة التنفيذية لقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل الصادر بالقانون رقم 18 لسنة 2014م، "يجوز للنزيل المحكوم عليه بالسجن أو بالحبس لمدة سنة أو أكثر الاختلاء بزوجه الشرعي مرة كل شهر لمدة ثلاث ساعات، بشرط موافقة طبيب المركز والإخصائي الاجتماعي والزوج الشرعي على ذلك.

 

وذلك في مكان منعزل يخصص لهذه الغاية في المركز وتتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية، على ألا يترتب على الخلوة الشرعية الإضرار بالأمن العام أو بالصحة العامة داخل المركز، ويضع مدير المؤسسة بقية شروط وضوابط الخلوة الشرعية، كما يضع شروط ومدة وكافة ضوابط الخلوة الشرعية بالنسبة للمحكوم عليهم بالإعدام"، وتنص المادة السابعة والثمانون من اللائحة ذاتها على أن "يكون في كل مركز السجلات الآتية بالنسبة للنزلاء والمحبوسين احتياطيًّا: … 27– سجل الخلوة الشرعية".

 

سيل

 

الخلوة الشرعية في التشريع القطرى

 

وفي دولة قطر، ووفقاً للمادة العشرين من اللائحة التنفيذية للقانون رقم (3) لسنة 2009 بتنظيم المؤسسات العقابية والاصلاحية، الصادرة بالقرار الوزاري رقم (11) لسنة 2012م، وتحت عنوان "الزيارة والمراسلة"، "مع مراعاة ما تقضي به المواد (48)، (49)، (50) من القانون، للمحبوس الحق في استقبال الزوار على النحو التالي: … 4– الزيارات الخاصة (الخلوة الشرعية) بواقع أربع زيارات في الشهر"، وللتحقق من مدى التزام المؤسسات العقابية والإصلاحية بهذا الحق، تنص المادة الثلاثون من اللائحة ذاتها على أن يُحتفظ في المؤسسة بالسجلات الآتية، ويتولى الضابط الإشراف عليها، ويكون مسئولاً عن استيفاء بياناتها وحفظها: … 9– سجل الزيارات العادية والعائلية والخلوة الشرعية: ويُسجل فيه اسم المحبوس وأسماء الزوار وجنسياتهم، وصلة القرابة، وتاريخ الزيارة، ومدتها".

 

وفي الاتجاه ذاته، وطبقاً للمادة العشرين من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل الأردني رقم 9 لسنة 2004م، "لكل نزيل محكوم عليه مدة سنة أو أكثر الاختلاء بزوجه الشرعي في مكان في المركز يخصص لهذه الغاية تتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية وفق تعليمات يصدرها المدير".

 

التشريعات الخالية من النص على الخلوة الشرعية

 

باستثناء تشريعات الدول العربية سالفة الذكر، تخلو معظم تشريعات الدول العربية من النص على حق السجين في الخلوة الشرعية، وإزاء خلو النصوص القانونية المنظمة للمنشآت العقابية والإصلاحية، فإن التساؤل يثور حول مدى حق المسجون في الخلوة الشرعية، وما إذا كانت القواعد العامة تسمح له بذلك أم لا؟ وفي الإجابة عن هذا التساؤل، وباستقراء واقع الحال في هذه الدول، يبدو سائغاً التمييز بين طائفتين: الأولى، يسير الواقع العملي بها في اتجاه الإقرار بحق السجين في الخلوة الشرعية/ أما الطائفة الثانية، فيبدو فيها الأمر مختلفاً، من خلال التأكيد على عدم وجود مثل هذه الممارسة في الوقت الحالي، بل وإنكار وجود النية نحو الأخذ بها. ولعل ذلك يبدو جلياً من خلال العرض التالي: 

 

س

 

تطبيق الخلوة الشرعية بدون نص قانوني

 

في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالاطلاع على القانون الاتحادي رقم (43) لسنة 1992 بشأن تنظيم المنشآت العقابية، ولائحته التنفيذية، يلاحظ خلو نصوصه من أدنى إشارة إلى الحق في الخلوة الشرعية، إذ تقتصر النصوص القانونية ذات الصلة على تقرير الحق في الزيارة، بيان ذلك أن المادة السابعة عشرة من القانون المشار إليه تنص على أن: "يكون للمسجونين من الفئة (أ) ما يأتي: … 3– مقابلة زائريهم ومراسلة من يشاؤون وذلك ما لم يرد بأمر الإيداع ما يمنع ذلك، وتتم الزيارة تحت إشراف ضابط المنشأة أو من ينوب عنه، وتبين اللائحة التنفيذية مناسبات الزيارة والوقت المصرح فيه بها وطريقة قيد أسماء الزائرين…".

 

وفي دولة الكويت، وبالاطلاع على القانون رقم 26 لسنة 1962 بتنظيم السجون، نجد أنه قد ورد خلواً من النص على الخلوة الشرعية، وبحيث جاء قاصراً على تقرير الحق في الزيارة العادية، إذ تنص المادة الثلاثون الفقرة الأولى من القانون المشار إليه على أن: "يجوز للمسجونين من الفئة أ مقابلة زائريهم ومراسلة من يشاؤون في حدود احكام اللائحة الداخلية، وذلك ما لم يرد بأمر الحبس ما يمنع ذلك ويجب أن تكون الزيارة تحت إشراف ضابط السجن او من ينوب عنه"، ورغم خلو القانون الكويتي من أدنى إشارة إلى الخلوة الشرعية، فإن ثمة أخبار صحفية منشورة مؤخراً تفيد باتجاه الحكومة نحو تطبيق نظام الخلوة الشرعية في السجون.

 

 

وفي سلطنة عمان، أشارت بعض الأخبار الصحفية إلى حكم قضائي صادر عن القضاء الإداري حول خلوة السجين بزوجته، وتشير تفاصيل الخبر إلى أن الدائرة الاستئنافية بمحكمة القضاء الإداري أصدرت حكماً عُدَّ تاريخياً؛ حيث قضى بأحقية سجين بممارسة حقه الطبيعي في الالتقاء بزوجته لقاء الأزواج داخل السجن وهو ما يعرف بـ "الخلوة الشرعية". 

 

دار

 

الانتقائية في تطبيق الخلوة الشرعية

 

بالاطلاع على القانون المصري رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون، المعدل اسمه بموجب القانون رقم 14 لسنة 2022م، بحيث غدا اسمه "في شأن تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المجتمعي"، نجد أنه قد ورد خلواً من النص على الخلوة الشرعية، ورغم خلو القانون المصري من نص يقرر حق المسجون في الخلوة الشرعية، فقد شهد العقدين الأخيرين من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين بعض وقائع تطبيق الخلوة الشرعية، وبعبارة أخرى، ورغم الرفض المعلن من الجهات المختصة، إلا أن الوقائع تؤكد أن الوزارة طبقت هذا الحق بشكل انتقائي داخل السجون في فترة الثمانينات.

 

 

ونتيجة لهذه الانتقائية في تطبيق هذا المبدأ، زادت مطالبة منظمات حقوق السجناء، ومنظمات حقوق الإنسان بضرورة تطبيق هذا المبدأ، وبسرعة إصدار القانون الذي يسمح لكل السجناء بالخلوة الشرعية بنسائهم في السجون، ويعطي الحق نفسه للسجينات في لقاء أزواجهن أسوة بما يحدث في عدد من الدول العربية مثل السعودية والكويت والمغرب وموريتانيا. 

 

رلا

 

ومن ناحية أخرى، ورغبة في الاستفادة من الميزة ذاتها، قام أحد المحامين برفع 3 دعاوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري نيابة عن 3 من زوجات السجناء، يطالب فيها بمنحهن الحق في لقاء أزواجهن في السجون، واستندت هذه الدعاوى إلى الفتوى الدينية الصادرة عن مفتي الديار المصرية الأسبق، الدكتور نصر فريد واصل، وإحدى الفتاوى الثلاث التي أصدرها المفتي السابق الدكتور علي جمعة، والتي تبيح الخلوة الشرعية للسجناء مع زوجاتهم، بل إن الدكتور علي جمعة أباح في فتواه الزواج داخل السجن، واستندت الفتاوى إلى أن العقوبة في الإسلام شخصية لا تتعدى الجاني إلى غيره، وأكدت أن الخلوة بين المسجون وزوجته ليست ترفيهاً بل هي واجب كالصلاة والصيام، لأنها تحقق الغرض من الارتباط بالزواج وهو بناء أسرة سليمة اجتماعياً، ووجود نسل صالح مما يحقق هدفين، الأول هو توبة السجين توبة نصوحاً نظراً لارتباطه بأسرته، وبالتالي سيحرص على عدم العودة للسجن مرة أخرى، والثاني هو الحفاظ على الأسرة من التفكك والانحراف خصوصاً الزوجة الصغيرة.

 

وساند المجلس القومي لحقوق الإنسان تلك الدعاوى القضائية المطالبة بحق السجناء سواء كانوا (رجالاً أم نساء) في ممارسة حقهم في الخلوة الشرعية، وهو ما دفع أحد النواب إلى التقدم بمشروع قانون إلى البرلمان (مجلس الشعب آنذاك) للسماح للمسجونين الذين أمضوا أكثر من عام كامل في السجن بخلوة شرعية مع الزوج أو الزوجة في مكان خاص يعد لذلك داخل السجن مرة كل شهر، ووفقاً لضوابط تضعها إدارة السجن، إلا أن وزارة الداخلية المصرية اعترضت على هذا الاقتراح بأن تطبيق هذا المبدأ سيفرغ العقوبة السالبة للحرية من مضمونها الذي يعتمد على الإيلام والحرمان، إضافة إلى صعوبة توفير الأماكن المخصصة لهذه الخلوة، الطريف في الأمر أن وزارة الداخلية ناقشت فكرة تعدد زوجات السجين وتساءلت في ردها على نواب الشعب، هل ستحرص الداخلية على العدل بين الزوجات في هذا الحق؟ أم تترك مسألة العدل للزوج؟ 

 

د

 

بل إن وزارة الداخلية أكدت مؤخراً عبر وسائل الإعلام توقف ممارسة الخلوة الشرعية في السجون المصرية. إذ أكد أحد المسؤولين بوزارة الداخلية أن السجون خالية من الخلوة الشرعية منذ العام 2005م، لافتاً إلى أنه كانت هناك بعض المحاولات بتوفير خيم خلال زيارة الزوجة، ولكن تم منع هذا الأمر تماماً، وذلك بالرغم من وجود العديد من الفتاوى الشرعية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية في هذا الخصوص.

 

ضرورة تقنين الخلوة الشرعية

 

وبعد بيان الاتجاهات التشريعية المختلفة في هذا الشأن، ولما كان فحوى الحرمان في العقوبة السالبة للحرية ينبغي أن يقتصر على حرية الغدو والرواح، دون أن يتعداها إلى غير ذلك من الحقوق والحريات، ما لم تكن هذه الحقوق والحريات مرتبطة على نحو وثيق وغير قابل للانفصال عن حرية الغدو والرواح، لذا نرى من الضروري منح السجناء حق الخلوة الشرعية، مع وضع التنظيم اللازم والمناسب لهذا الحق.

 

ضرورة تأهيلية

 

أصدرت العديد من المراكز الحقوقية دراسات حول تقنين الخلوة الشرعية في ظل السياسات الإصلاحية في السجون، أكدت فيه أن عدم تطبيق هذا النظام في السجون أدى إلى انتشار أمراض خطيرة بينهم.

 

ضرورة صحية

 

في ندوة عقدتها نقابة الأطباء يوم السبت الموافق السابع من شهر يوليو سنة 2007م، تحت عنوان "الرعاية الصحية في السجون – الواقع والمأمول"، قال نقيب الأطباء آنذاك الدكتور حمدي السيد إن حرمان السجناء من العلاقات الجنسية المشروعة أدى إلى انتشار الأمراض بين السجناء، مؤكداً أن هذه القضية إنسانية في المقام الأول، وأن النقابة ستظل تطالب بمنح السجين حقه في لقاء زوجته لمنع انتشار الأمراض بين السجناء، خصوصاً أن هناك عدداً كبيراً من الأمراض النفسية والعضوية تنتشر بين السجناء نتيجة لحرمانهم من ممارسة هذا الحق.   

 

ولم يكتف نقيب الأطباء المصريين ورئيس اللجنة الصحية بمجلس الشعب آنذاك بذلك، وإنما أثار الجدل مرة أخرى حول السماح بممارسة الخلوة الشرعية داخل السجون باعتباره وقاية صحية ونفسية وجنسية للسجناء وتفعيلا للطب الوقائي لمواجهة الأمراض التي باتت تهدد المساجين.

 

ضرورة نفسية

 

يرى فقهاء علم النفس أن تطبيق الخلوة الشرعية للسجناء داخل السجون ضرورة نفسية، إذ إنه يساعد السجين على الإصلاح، كما أن ممارسة الجنس هي حاجة أساسية للإنسان كالطعام والشراب، وإحساس الإنسان بأنه محروم من ممارسة حقوقه الطبيعية يؤدي إلى عجزه عن التواصل مع الحياة فيما بعد، مما يجعله عرضة للإصابة بالأمراض النفسية ولا يتم إصلاحه على الإطلاق، وبالتالي يفقد السجن أحد أهم أهدافه، كما أنه قد يؤدي إلى إصابة السجين بالأمراض النفسية كالإحباط والاكتئاب، أو إصابته بالأمراض الجنسية المترتبة على الممارسات الشاذة، إضافة إلى انتشار مرض الإيدز، وهذه الآثار لن تصيب السجناء فقط بل إنها ستمتد إلى زوجاتهم، وأضاف أن هذه الخلوة تعتبر حصانة للسجين ولزوجته.

 

ضرورة اجتماعية

 

من الناحية الاجتماعية، يرى فقهاء علم الاجتماع ضرورة تطبيق الخلوة الشرعية في السجون، لما في ذلك من آثار اجتماعية جيدة، إذ أنها سيؤدي إلى تقليل معدلات طلاق الزوجات السجناء للضرر الواقع عليهن من السجن أو الاعتقال، وبالتالي ستقل معدلات التفكك الأسري، كذلك ستقل معدلات انحراف الزوجات، ووفقاً لرأي هؤلاء، فإن هذا الحق يعتبر حقاً شرعياً للسجناء، شأنه في ذلك شأن الطعام والشراب. فهل يحرم السجين من الطعام والشراب، حتى نحرمه من هذا الحق؟

 

ويضيف البعض أن حرمان السجين من الخلوة الشرعية الخلوة الشرعية وإصابته بالتالي ببعض الأمراض الجنسية والنفسية والبدنية الناجمة عن هذا الحرمان من شأنه أن يؤدي إلى فشل السجين في ممارسة حياته الطبيعية بعد الخروج من السجن، كما أن حرمان زوجة السجين من ممارسة حقها الشرعي مع زوجها يدفعها إلى طلب الطلاق، وبالتالي تنهار الأسرة كلها.

 

ضرورة فطرية وشرعية

 

لكل ما سبق، ولأن القاعدة الشرعية تقول إنه حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله، لذا فقد انعقد إجماع الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية على حق المسجون في الاختلاء بزوجته.

 

ومع ذلك، فإن بعض الفقهاء الشرعيين قد يتحفظون على منح هذه الحقوق الخاصة جداً أثناء فترة السجن، لأنها تعطي الفرصة لكشف العورات، وقد يذهب هؤلاء إلى حد القول إنه لا يوجد أصل في الشريعة الاسلامية يعطي الحق للسجناء لممارسة علاقاتهم الزوجية داخل السجن، ولكن الأمر منضبط بإنسانية الانسان، وأن العلاقة الجنسية الشرعية حق انساني مثل الطعام والشراب. ومع ذلك، يرد الرأي المتحفظ في شأن الخلوة الشرعية على ذلك بالقول إن هذه العلاقة لها قدسيتها. وممارستها داخل السجون في ظل ظروفها الحالية داخل بلاد إسلامية كثيرة، لا تمنع عنها هذه القدسية، وتعطي الفرصة لكشف العورات والأسرار وغير ذلك.

 

الخلوة وفلسفة العقوبة

 

- قد لا يوافق البعض على الخلوة الشرعية في السجون، مستنداً في ذلك ومفترضاً أن العقوبة لها فلسفة تقوم على الردع والزجر، فإذا حققت مثل هذه الممارسات المتضمنة المتعة والإمتاع، فنحن بالتالي لا نعطي العقوبة فلسفتها المفروضة.

 

- وفي المقابل، هناك أصوات أخرى كثيرة لا توافق على هذا الرأي، وحجتها في ذلك أن العقوبة لا يجب أن تلحق بزوج السجين، وأن إتاحة العلاقة الشرعية صيانة له من السقوط في الشذوذ.

 

-والواقع أن تأهيل المحكوم عليه وإصلاحه يحتل أهمية كبيرة في الوقت الحاضر، وقد حرص المشرع الدستوري المصري على النص صراحة على ذلك، فوفقاً للمادة السادسة والخمسين من الدستور المصري لسنة 2014م، "السجن دار إصلاح وتأهيل تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر، -وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم"، وبدورها، تحظر المادة السابعة والعشرون من الدستور الإيطالي العقوبات المنطوية على معاملة مناقضة للشعور الإنساني، وتوجب أن تتجه المعاملة العقابية إلى إعادة تهذيب المحكوم عليهم، كذلك، فإن المادة الخامسة والعشرين من الدستور الإسباني تنص على ضرورة أن تتجه العقوبات السالبة للحرية إلى إعادة التكييف الاجتماعي للمحكوم عليهم.

 

-وتحرص أغلب التشريعات الجنائية الحديثة على إقرار مبدأ تأهيل المحكوم عليه صراحة. فالمادة السابعة والثلاثين من قانون العقوبات السويسري توجب أن يكون تنفيذ عقوبتي السجن والحبس على نحو يكون من شأنه إخضاع المحكوم عليه لجهود تستهدف تهذيبه وتمهيد عودته إلى الحياة الحرة. وفي فرنسا، تحدد المادة الأولى من قانون 22 يونيو 1987 الخاص بالمؤسسات العقابية مهمة هذه المؤسسات بالسعي نحو تحقيق إعادة الاندماج الاجتماعي للمحكوم عليهم.  

 

احمد
 

الدكتور أحمد عبد الظاهر، أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

 

الأكثر قراءة



print