لا شك أن لجسد الإنساني حُرمة لابد من عدم مساسها، وللإنسان حق في حفظ جسده وكتم سره، معايير وحقوق سقطت واحدة تلو الأخرى على مدى زمن من التطور التقني، وفتح سماوات العالم أمام تداول المعلومات والمقاطع المصورة دون رقيب بعد العجز عن السيطرة على تداخل العالم بثقافاته وعاداته، وهو ما فتح الباب أمام ظاهرة أصبح البعض يعتبرها اعتيادية ولا ضرر فيها، وهي تصوير المرضى وإذاعة صورهم، أو المقاطع المسجلة التي يظهرون فيها في أوضاع المرض، أو تحت تأثير المخدر، أو قبل أو بعد إجراء عملية جراحية، الأمر الذي آثار جدلًا طبيا وقانونيا وإنسانيا في المقام الأول قبل أي شيء.
ومع انتشار تلك الظاهرة في مصر، وتداول مقاطع مصورة للمريض على فراشه أو أثناء إجرائه عملية جراحية، أصبح من اللازم التحري عن مدى حظر الأمر، أو إباحته من الناحية القانوننية، حيث يرى مراقبون أن تصوير المرضى ممنوع، وغير أخلاقي، وأن القوانين الطبية والمهنية تضع عقوبات إدارية في لوائحها بالخصم المالي من راتب الطبيب أو الممرض، الذي يقدم على تصوير مريض، في حين يصل الأمر أحيانا إلى وقفة عن العمل في حالة الإضرار بسمعة المريض، وهو حق أصيل للمريض يجب عدم الاقتراب منه البتة، خاصة حال كان أثناء تخديره، حيث إن المريض في هذا الوضع يكون في مرحلة "هذيان" ويلفظ بما هو في مخزون أسراره أحيانا.
تصوير المريض تحت التخدير بين انتهاك الخصوصية والتعدي على كرامة الإنسان
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية تصوير المريض تحت التخدير بين انتهاك الخصوصية والتعدي على كرامة الإنسان، حيث أصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً أساسياً من حياة الناس في العصر الحديث، حيث يتم مشاركة اللحظات المختلفة عبر الصور والفيديوهات - ومع ذلك - ظهرت ظاهرة مقلقة تتمثل في تصوير الأشخاص دون إذنهم، خاصة أثناء تواجدهم في حالات ضعف، مثل التخدير الطبي أو البنج، ثم نشر هذه المقاطع على الإنترنت، وهذه الظاهرة تثير العديد من التساؤلات حول الجانب الأخلاقي والقانوني، خصوصاً في العراق، حيث قد يُعد هذا الفعل انتهاكاً للخصوصية وكرامة الإنسان - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
في البداية - تعتبر الخصوصية حقاً أساسياً من حقوق الإنسان التي يجب احترامها، وهي تعني أن يُعامل الفرد بكرامة، وألا يُفضح في لحظات ضعفه أو مرضه، فالتصوير دون إذن، خاصة أثناء وجود الشخص تحت التخدير، يمثل انتهاكاً لهذا الحق، حيث يتعرض الشخص للإذلال أو السخرية من دون موافقته، مما قد يتسبب له بضرر نفسي واجتماعي، وسنتحدث هنا عن تقسيم هذه الإشكالية إلى مطلبين حيث سنتناول في المطلب الأول منهُ، موقف القانون المصرى، بينما في المطلب الثاني، موقف القانون العراقى، وذلك على النحو الآتي – وفقا لـ"العزاوى":-
المطلب الأول: موقف القانون المصري:
1- الدستور المصري لعام (2014):
نصت المادة 57 من الدستور المصري على أن: "الحياة الخاصة للمواطنين مصونة، لا يجوز انتهاكها، وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقاً للقانون"، أما في مايتعلق بكرامة الإنسان فقد أوضح الدستور المصري ذلك في المواد 51 53 55، أما المادة 51 تنص صراحة على أن: "الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها، وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها"، وهذه المادة تضع مبدأً عامًا يحمي كرامة الإنسان ويعطيها أولوية في التشريع المصري، مما يعني أن أي قوانين أو ممارسات يجب أن تتماشى مع هذا المبدأ – الكلام لـ"العزاوى".
وكذا المادة 53 تؤكد: "أن المواطنين متساوون أمام القانون، وتحظر أي تمييز بينهم على أساس الانتماء أو الجنس أو الدين، وذلك لحماية كرامة الإنسان ومنع الممارسات التي قد تتسبب في الإهانة أو الحط من قدر الإنسان"، والمادة 55 تتعلق بضمان حقوق المحتجزين والموقوفين، حيث تضمن لهم المعاملة التي تحفظ كرامتهم الإنسانية، وتمنع تعذيبهم أو إيذاءهم بأي شكل – الكلام لـ"العزاوى".
2- موقف قانون العقوبات المصري:
المادة 309 مكرر: تنص على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضاء المجني عليه... كالتقاط أو نقل صور خاصة أو تسجيلات لأشخاص دون علمهم أو موافقتهم"، والمادة 309 مكرر (أ): تجرم نشر أو إذاعة هذه التسجيلات أو الصور دون إذن صاحبها، وتضاعف العقوبة في حال ارتكاب هذا الفعل بغرض الإضرار بالمجني عليه، أما في مايتعلق بكرامة الإنسان فقد أوضح قانون العقوبات المصري ذلك في المواد 126 375 306 و306 مكرر – طبقا لأستاذ القانون الجنائى.
أما المادة 126 تجرم تعذيب أي متهم أثناء التحقيقات، وتعتبر أن أي تعذيب يُمارَس على المتهم لإجباره على الاعتراف يعد جريمة تستوجب العقوبة، مما يعكس اهتمام القانون بحماية كرامة الأفراد وعدم انتهاكها تحت أي ظرف، فضلا عن المادة 375 مكرر: تعاقب على كل فعل يُعتبر تهديدًا أو مساسًا بالسلامة أو الكرامة الشخصية، حيث تتناول العقوبات على التهديدات والأفعال التي تؤدي إلى ترويع المواطنين أو إذلالهم، وكذا المواد 306 و306 مكرر (أ): تتعلقان بالتحرش الجنسي والفعل الفاضح، حيث تعاقب هذه المواد أي فعل من شأنه أن يخلّ بالآداب العامة ويهين كرامة الأشخاص، وخاصة في حالات التحرش أو الأفعال غير اللائقة.
3- موقف قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات (القانون رقم 175 لسنة 2018)
المادة 25 تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تتجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته.
المادة 26 تعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز 300 ألف جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل من استخدم برامج أو تطبيقات أو وسائل غير مصرح بها بقصد الحصول على بيانات أو معلومات خاصة تخص حياة الأفراد.
4- موقف قانون حماية البيانات الشخصية (القانون رقم 151 لسنة 2020)
فالمادة الأولى منه تنص: "يحمي هذا القانون البيانات الشخصية للمواطنين، ويحظر معالجتها أو التعامل معها بدون موافقة صريحة من صاحب البيانات، ويشمل هذا البيانات البصرية مثل الصور أو الفيديوهات التي قد يتم التقاطها دون علم أو موافقة الشخص".
هل يعاقب الطبيب تأديبا عند إفشائه أسرار المريض؟
نعم – طبقا لقواعد وقوانين ولائحة مهنة الطب أي طبيب يخرج عن قواعد ولائحة آداب المهنة والأصول الطبية المستقر عليها والمعمول بها، يتم إحالته للتحقيق وللهيئة التأديبية لتحديد العقوبة المستحقة عليه، التي قد تصل إلى الشطب من جدول نقابة الأطباء.
المطلب الثانى: موقف القانون العراقي
في القانون العراقي، هناك عدة مواد وأحكام تتناول حماية الخصوصية وكرامة الأفراد، والتي يمكن الاستناد إليها لتجريم تصوير الأشخاص دون إذنهم، خاصة في حالات ضعف مثل التخدير، ونشر هذه المقاطع على الإنترنت.
1- موقف الدستور العراقي
الدستور العراقي لعام 2005 يقر عدة مبادئ لحماية حقوق الإنسان وكرامته، ومن ضمنها الحق في الخصوصية، حيث نصت المادة 17 منه: "لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية، بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين وحرية الآخرين"، وتشير هذه المادة إلى ضرورة احترام خصوصية الأفراد، وعدم انتهاكها، فالتصوير دون إذن يُعتبر انتهاكاً لهذا الحق، خاصة إذا نُشر المقطع بشكل علني وأدى إلى أذى للضحية، أما المادة 37 فقد نصت على ضمان كرامة الإنسان وحمايته من جميع أشكال الإساءة، لذا يمكن اعتبار نشر فيديو لشخص تحت التخدير إساءة لكرامته، خصوصاً إذا كان النشر يهدف إلى الإهانة أو التشهير – الكلام لـ"العزاوى".
2- موقف قانون العقوبات العراقي
يحتوى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 على مواد تحمي الخصوصية وكرامة الأشخاص، وتُجرم الأفعال التي تمس بهذه الحقوق، ومنها المادة 438، تعاقب على نشر أسرار الأشخاص دون إذنهم، ويشمل ذلك المعلومات أو المحتوى المرئي الذي يتعلق بهم، ومن ضمنها نشر مقاطع فيديو لشخص تحت تأثير البنج يمكن اعتباره إفشاءً لأسراره، خصوصاً إذا تضمن المقطع محتوى يحرجه أو يؤذيه نفسياً، أما المادة 433 تجرم التشهير وتعتبره جريمة يعاقب عليها القانون، إذا كان نشر المقطع يسبب ضرراً لسمعة الشخص، فيمكن اعتباره تشهيراً، خاصةً إذا أُسيء استخدام المقطع لتحقيق السخرية أو الإساءة – بحسب "العزاوى".
خلاصة القول:
بناءً على ما جاء في الدستور وفي قانون العقوبات العراقي، يمكن القول إن تصوير الأشخاص دون إذنهم، خاصة في حالات الضعف مثل التخدير، ونشر هذا المحتوى يعد انتهاكاً لكرامتهم وخصوصيتهم، فلا شك بأن هذا الفعل يعرض الفاعل للمساءلة القانونية، سواء كان ذلك بناءً على قوانين حماية الخصوصية أو قوانين التشهير، ورغم وجود حماية قانونية، فإن الحاجة لا تزال ملحة لإقرار قانون شامل للجرائم الإلكترونية في العراق، لضمان حماية الخصوصية الرقمية بشكل أوسع وفرض عقوبات رادعة على منتهكي الخصوصية عبر الإنترنت، ويا ليت الأطباء الآن يراعوا عدم تصوير المريض في غرف العمليات حتى ولو كان ذلك بموافقته المسبقة.