لازال اللغط مستمرا حول حكم المحكمة الدستورية العليا المقضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى على أن يبدأ تطبيق أثر الحكم من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي (الدورة البرلمانية الخامسة لمجلس النواب القائم).
وجاء بحيثيات الحكم أن ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضى عقود على التاريخ الذي تحددت فيه "يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية"، مضيفة: أن القوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن السكنية تنطوي على خصيصتين: الأولى هي الامتداد القانوني لعقود إيجارها، والثانية التدخل التشريعي في تحديد أجرتها.
6 ملاحظات تشرح اللغز
وذكرت المحكمة أن امتداد العقد وتثبيت الأجرة "ليس عصيًا على التنظيم التشريعي" فإذا كان الامتداد القانوني قد حدد نطاقًا بفئات المستفيدين من حكمه، دون سواهم، فإن تحديد الأجرة يتعين دومًا أن يستند إلى ضوابط موضوعية تتوخى تحقيق التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية، وشددت المحكمة الدستورية العليا على وجوب أن يتدخل المشرع لإحداث هذا التوازن، "فلا يمكّن المؤجر من فرض قيمة إيجارية استغلالًا لحاجة المستأجر إلى مسكن يأويه، ولا يهدر عائد استثمار الأموال - قيمة الأرض والمباني - بثبات أجرتها بخسًا لذلك العائد فيحيله عدمًا".
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض يحيى جاد الرب سعد - الرأى عندنا أن حكم المحكمة الدستورية – لا يسرى على الأماكن المنشاة قبل صدور القانون رقم 136 لسنة 1981 وأن أجرة هذه الأماكن ثابتة كما هى على النحو التالى:-
1- المادة المقضى بعدم دستوريتها تتعلق بالأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام القانون 136 لسنة1981 بصريح نص المادة.
2- البعض اغفل أن الحكم نص في منطوقه صراحة على عدم دستورية ثبات الأجرة للأماكن الخاضعة للقانون المشار اليه - وعدم سريان الحكم على الأماكن المنشاة قبل العمل به.
3- القانون 136 لسنة 1981 لم يلغ القوانين السابقة عليه التى حظرت زيادة الأجرة.
4- أن القضاء بعدم دستورية أحد النصوص لا يؤدى بمجرده إلى عدم دستورية مثيله.
5- العبرة فى تحديد القانون الواجب التطبيق بشأن تقدير أجرة المبنى هو بتاريخ إنشائه.
6- قوانين الإيجارات الاستثنائية أرقام 52 لسنة 1969، 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981 قد نص كل منها على القواعد الموضوعية المتعلقة بتقدير أجرة الأماكن الخاضعة لأحكامه والقواعد الإجرائية المتعلقة بطرق الطعن فى الأحكام الصادرة فيها، وهذه القواعد الموضوعية أو الإجرائية تختلف من قانون لآخر، ويستمر العمل بأحكامه وتظل واجبة التطبيق فى نطاق سريان القانون الذى أوجبها.
وفيما يلى تفصيل ما أجملنا:
وبحسب "سعد" في تصريح لـ"برلماني": بتاريخ 9/11/2024 صدر حكم المحكمة الدستورية في الدعوى رقم 24 لسنة 20 قضائية قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين رقم 1و2 من القانون 136 لسنة 1981 فيما تضمنه من ثبات الأجرة السنوية، ولم يتنبه البعض الى أن نص الحكم قد أشار في منطوقه بأن هذه المادة تتعلق بالأماكن المرخص في إقامتها من تاريخ العمل بهذا القانون فقط أى الأماكن المنشاة قبل 31/7/1981 ولم يتطرق لأجرة الأماكن المنشاة قبل هذا التاريخ والتى تنظمها باقى قوانين إيجار الأماكن والتى مازالت ساره حتى الآن.
المقرر بقضاء محكمة النقض
ومن المقرر بقضاء محكمة النقض أن العبرة فى تحديد القانون الواجب التطبيق بشأن تقدير أجرة المبنى هو تاريخ إنشائه.و أن قوانين الإيجارات الاستثنائية أرقام 52 لسنة 1969، 49 لسنة 1977، 136 لسنة 1981 قد نصت كل منها على القواعد الموضوعية المتعلقة بتقدير أجرة الأماكن الخاضعة لأحكامه والقواعد الإجرائية المتعلقة بطرق الطعن فى الأحكام الصادرة فيها وهذه القواعد سواء الموضوعية أوالإجرائية تختلف من قانون لآخر، ويستمر العمل بأحكامها وتظل واجبة التطبيق فى نطاق سريان القانون الذى أوجبها، والمعول عليه فى قضاء هذه المحكمة فى تحديد القانون الواجب التطبيق بشأن تقدير أجرة المبنى هو بتاريخ إنشائه فيسرى القانون على الأماكن المرخص فى إقامتها أو المنشأة بعد العمل بأحكامه، ومن المقرر أن القانون رقم 136 لسنة 1981 قد أورد أحكاماً موضوعية وأخرى إجرائية إلا أن تلك القواعد تسرى على الأماكن الخاضعة لحكمه وهى بصريح نص الفقرة الأولى منه تلك التى رخص فى إقامتها بعد العمل بأحكامه أى فى 31/7/1981 – طبقا للطعنين رقمى 798 لسنة 67 ق - بتاريخ 15 / 10 / 2015 - و 1715 لسنة 67 ق - بتاريخ 10 / 11 / 2013.
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض في حكم حديث لها بأنه: لما كان الحكم المطعون فيه وأقام قضاءه بتأييد الحكم الابتدائي استناداً لإقرار طرفي التداعي واعتد بالأجرة الاتفاقية الواردة بعقد الإيجار المؤرخ 1 مايو 1983 سند الدعوى على أنه قد أُبرم بعد العمل بالقانون رقم 136 لسنة 1981، ومن ثم فإن النزاع بشأن تحديد أجرة العين محل النزاع تخضع لأحكام القانون الأخير ورتب الحكم على ذلك بأن الأجرة الاتفاقية هي الأجرة القانونية للعين محل النزاع واتخذها أساساً لحساب الزيادات القانونية المقررة بالقانونين 6 لسنة 1997 و 14 لسنة 2001 رغم أنه لا خلاف بين طرفي النزاع بأن العين أُنشئت سنة 1957 حسبما هو ثابت من تقرير الخبير أمام محكمة الاستئناف المنتدب في الدعوى مما تخضع معه تقدير أجرة عين النزاع لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون، طبقا لعدد من الطعون برزها الطعن رقم 5555 لسنة 85 قضائية – جلسة 10 مارس 2024 – والطعن 10521 لسنة 77 قضائية – جلسة 7 أكتوبر 2023.
القضاء بعدم دستورية أحد النصوص لا يؤدى بمجرده إلى عدم دستورية مثيله
ويضيف "سعد": هذا من ناحية - ومن ناحية أخرى، فإن القضاء بعدم دستورية المادتين رقم 1و2 من القانون 136 لسنة 1981 فيما تضمنه من ثبات الأجرة السنوية لا يؤدى بمجرده الى عدم دستورية النصوص المماثلة فى قوانين ايجارات الأماكن السابقة على القانون 136 لسنة 1981، وتظل الأجرة ثابتة للأماكن المنشأة قبل هذه القانون والتى لم يتم عدم دستورية المواد التى تنظمها، ذلك أن القضاء بعدم دستورية أحد النصوص لا يؤدى بمجرده إلى عدم دستورية مثيله - الذى لم يعرض على المحكمة الدستورية العليا - فالأحكام بعدم الدستورية هي أحكام عينية لا تنصب إلا على ما عنته المحكمة بذاته فهي - دون غيرها .
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه: نص الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون 52 لسنة 1969 - المنطبق على واقعة النزاع - يقضي باستمرار عقد الإيجار وامتداده في حالة وفاة المستأجر أو تركه العين المؤجرة لصالح أقارب المستأجر حتى الدرجة الثالثة نسباً أو مصاهرة ......... ، ولا يحول دون إعمال هذا النص قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة 29 من القانون 49 لسنة 1977 المماثل له؛ لأن القضاء بعدم دستورية أحد النصوص لا يؤدي بمجرده إلى عدم دستورية مثيله الذي لم يعرض على المحكمة الدستورية العليا، فالأحكام بعدم الدستورية هي أحكام عينية لا تنصب إلا على ما عنته المحكمة بذاته، فهي - دون غيرها - المنوط بها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح عملاً بنص المادة 175 من الدستور والمادة 25/1 من القانون 48 لسنة1979، طبقا للطعن رقم 2954 لسنة 79 قضائية – جلسة 6 فبراير 2024.
وفى الأخير يؤكد "سعد": الأمر الذى نرى معه أن عقود إيجار الأماكن المنشأة قبل 31/7/1981 مازالت ثابتة، ولم يقضى بعدم دستورية النصوص المنظمة لها (ما لم يتدخل المشرع بإلغاء هذه المواد) وإصدار تشريع جديد ينظم تحديد قيمة أجرتها.
وخير دليل على ذلك:
قانون 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، جاء الفصل الثاني في تقدير وتحديد الأجرة كالتالى:
المادة 10:
يجب على من يرغب في إقامة مبنى أن يرفق بطلب الترخيص له بالبناء المقدم إلـى الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بياناً بقيمة الأرض والمباني ومواصفات البناء ومقترحاته عن أجرة المبنى وتوزيعها على وحداته وما يدل على أداء مبلغ 500 قرش عن كل وحدة من هذه الوحدات، ويحتسب هذا المبلغ ضمن تكاليف المبنى وتخصص حصيلة هذا المبلغ للإنفاق منه على أغراض لجنة تحديد الإيجارات أو الطعن في قراراتها وفقاً للنظام الذي يصدر به قرار من وزير الإسكان والتعمير، وتكـون البيانات المشار إليها والموضحة باللائحـة التنفيذية متممـة للمستندات اللازمة للحصول علـى الترخيص المشار إليه طبقاً لأحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء والقرارات المنفذة له.
المادة 11:
يتضمن قرار الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالموافقة على إقامة البناء تقدير الأجرة الإجمالية للمبنى وفقاً للأحكام الواردة في هذا الباب وتوزيعها علـى وحـدات المبنـى ويصرف ترخيص البناء موضحاً به قرار التقدير والتوزيع وعلى أساسه يتم التعاقد بين المؤجر والمستأجر إلى أن يتم تحديد الأجرة طبقاً لأحكام هذا الباب، ويكون التقدير المبدئي للأجرة وفقاً للقرارات التي يصدرها وزير الإسكان والتعميـر في شـأن تحديـد مستويـات ومـواصفات المباني وأسس تكاليفـها التقديرية وفقاً لأحكام القانون رقم 106 لسنة 1976.
المادة 12:
تتولى تحديد أجرة الأماكن الخاضعة لأحكام هذا القانون وتوزيعها على وحداته لجان يصدر بتشكيلها قرار من المحافظ المختص من اثنين من المهندسين المعماريين أو المدنيين المقيدين بنقابة المهندسين ومن جهتين مختلفتين وأحد العاملين المختصين بربط أو تحصيل الضريبة على العقارات المبنية وعضوين يختارهما المجلس المحلي المختص من غير أعضائه أحدهما من الملاك والآخر من المستأجرين, وتكون رئاستها للأقدم من المهندسين، ويشترط لصحة انعقادها حضور أحد المهندسين والعضو المختص بربط أو تحصيل الضريبة وأحد العضوين المختارين, وتصدر قرارات اللجنة بأغلبية أصوات الحاضرين وعند التساوي يرجح رأي الجانب الذي منه الرئيس، ويؤدي أعضاء اللجان قبل مباشرة أعمالهم يميناً أمام المحافظ بأن يؤدوا أعمالهم بصدق وأمانة، ويصدر وزير الإسكان والتعمير قراراً بالقواعد والإجراءات التي تنظم أعمال هذه اللجان وطريقة إخطار ذوي الشأن بقراراتها الصادرة في شأن تحديد الأجرة.
الخبير القانوني والمحامى بالنقض يحيى جاد الرب سعد