ما زال الحديث مستمرا حول نص المادة "368" من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والتي مؤداها "منع المحكوم عليه غيابيا من التصرف فى أمواله"، وصدرت موافقة عليه من مجلس النواب، ما أدى لإثارة لغط كبير حولها والتي توجب حرمان المتهم من أن يتصرف في أمواله أو يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه، في حالة صدور حكم بالإدانة في غيبته، وجاء نص المادة 368، كما وافق عليها المجلس، كالتالي:
"كل حكم يصدر بالإدانة في غيبة المتهم يستلزم حتماً حرمانه من أن يتصرف في أمواله أو أن يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه، وكل تصرف أو التزام يتعهد به المحكوم عليه يكون باطلاً من نفسه، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير حسن النية، وتحدد المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها أموال المحكوم عليه حارساً لإدارتها بناء على طلب النيابة العامة أو كل ذي مصلحة في ذلك، وللمحكمة أن تلزم الحارس الذي تنصبه بتقديم كفالة، ويكون تابعاً لها في جميع ما يتعلق بالحراسة وتقديم الحساب".
هل يعد قانون الإجراءات الجنائية الجديد معدلا للقانون القديم بشأن قرار المنع من التصرف؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على مسألة المنع من التصرف طبقا لقانون الإجراءات الجنائية، والإجابة على السؤال.. هل يعد قانون الإجراءات الجنائية الجديد معدلا للقانون القديم بشأن قرار المنع من التصرف؟ فقد سادت حالة من القلق علي مواقع التواصل الاجتماعي خلال هذه الأيام بعد إقرار مجلس النواب المادة الخاصة بمنع المتهم من التصرف في أمواله أو رفع أي دعاوي باسمه في حال صدور حكم في غيبته فهل الشخص الصادر ضده حكم غيابي ممنوع من التصرف، وبالتالي يفقده أهلية التقاضي على أمواله – بحسب الخبير القانوني والمحامى أيوب عثمان.
6 أسئلة وإجاباتها حول مادة المنع من التصرف وأثره على المتهم وعلى حقوق الغير
في البداية - سوف نلقى الضوء علي هذا الأمر من حيث تعريف المنع من التصرف وآثره على المتهم وعلى حقوق الغير، وما العقوبة التي تمنع الشخص من التصرف في أمواله، وهل كل الأحكام التي تصدر ضد الشخص سواء في جناية أو جنحة بالحبس أو السجن يستتبع ذلك بمنع الشخص من التصرف في أمواله؟ وهل المنع من التصرف استحدث مع القانون الذي يقره البرلمان حاليا أم كان منصوصا عليه في قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950؟ ومتي ينتهي المنع من التصرف؟ وهل المنع من التصرف وصف يلحق بالمال فقط أم بالشخص؟ ومن القائم على إدارة أموال الممنوع من التصرف؟ وما المحكمة المختصة بتعيين قيم لإدارة أموال الممنوع من التصرف؟ - وفقا لـ"عثمان".
نوضح أن المنع من التصرف لم يستحدث في القانون الذي يقره مجلس النواب حاليا، وإنما ورد في القانون رقم 150 لسنة 1950، حيث نصت المادة 390 على أن: "كل حكم يصدر بإدانة في غيبة المتهم يستلزم حتما حرمانه من أن يتصرف في أمواله أو أن يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه وكل تصرف أو التزام يتعهد به المحكوم عليه يكون باطلا من نفسه، وتعين المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها أموال المحكوم عليه حارسا لإدارتها بناء على طلب النيابة العامة، أو كل ذى مصلحة في ذلك وللمحكمة أن تلزم الحارس الذى تنصبه بتقديم كفالة، ويكون تابعا لها في جميع ما يتعلق بالحراسة وتقديم الحساب" – الكلام لـ"عثمان".
1- ما المنع من التصرف وفقا لقانون الإجراءات الجنائية؟
باستقراء نصوص قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 المتعلقة بالمنع من التصرف نجد أن المشرع المصري لم يضع تعريفا أو مفهوما محددا لإجراء المنع من التصرف، تاركا الأمر وفقا لاجتهاد الفقه وأحكام القضاء، وبذلك نرى أن المنع من التصرف هو غل يد الشخص الممنوع من التصرف عن إدارة أمواله موقتا بموجب قرار قضائي فلا يكون له تبعا لذلك حق التقاضي بشأنها وليس في ذلك نقص في أهلية الممنوع من التصرف، وإنما هو بمثابة حجز على أمواله تقيد من سلطته عليها فيباشرها نيابة عنه الوكيل المعين لإدارتها باعتباره نائبا قانونيا عنه في إدارتها لأسباب تقتضيها المصلحة العامة للدولة وغيرها من الجهات التي وقعت الجريمة على أموالها – طبقا لـ"عثمان" .
2- أثر المنع من التصرف على المتهم وعلى حقوق الغير
بصدور حكم المحكمة الجنائية بمنع المتهم من التصرف في أمواله يستتبع ذلك منعه من التقاضي علي هذه الأموال سواء مدعيا أو مدعي عليه، فيباشر نيابة عنه في ذلك الوكيل المعين لإدارة أمواله باعتباره نائبا قانونيا عنه في ادارتها، فيلتزم بالمحافظة علي هذه الأموال التي يتسلمها وما تتطلبه من أعمال لرعايتها والعناية بها وحتى الانتهاء من المنع من التصرف أو الإدارة، وبالنسبة للغير لا يحق له مقاضاة الممنوع من التصرف فترة سريان آثر المنع من التصرف إلى باتخاذ الإجراءات على وكيل الممنوع من التصرف وفي حال قيام الغير بمقاضاة الممنوع من التصرف أو اتخاذ أي إجراءات قضائية ضده سوف تكون الخصومة منعدمه لرفعها على غير ذي صفة – هكذا يقول الخبير القانونى.
3- العقوبة التي تمنع الشخص من التصرف في أمواله
ليست كل عقوبة صادرة في جريمة تستلزم منع المتهم من التصرف في أمواله، فالأمر مقصور علي العقوبات التي تصدر علي المتهم بالسجن في جناية وليس جنحة، وعلى ذلك فالأحكام الصادرة بالحبس في الجنح لا تكون محل قرار بالمنع من التصرف، فعقوبة السجن هي فقط محل المنع من التصرف.
4- هل المنع من التصرف استحدث مع القانون الذي يقره البرلمان حاليا؟
لم يستحدث قانون الإجراءات الجنائية الذي يقره حاليا مجلس النواب قرار المنع من التصرف بل نص عليه في قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، حيث نصت المادة (208 مكررًا / أ في الأحوال التي تقوم فيها من التحقيق أدلة كافية على جدية الاتهام في أى من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، وغيرها من الجرائم التي تقع على الأموال المملوكة للدولة أو الهيئات والمؤسسات العامة والوحدات التابعة لها أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، وكذا في الجرائم التي يوجب القانون فيها على المحكمة أن تقضى – من تلقاء نفسها – برد المبالغ أو قيمة الأشياء محل الجريمة أو تعويض الجهة المجني عليها، إذا قدرت النيابة العامة أن الأمر يقتضي اتخاذ تدابير تحفظية على أموال المتهم بما في ذلك منعه من التصرف فيها أو إداراتها، وجب عليها أن تعرض الأمر على المحكمة الجنائية المختصة طالبة الحكم بذلك ضمانا لتنفيذ ما عسى أن يقضى به من غرامة أو رد أو تعويض – طبقا لـ"عثمان".
- وللنائب العام عند الضرورة أو في حالة الاستعجال أن يأمر مؤقتا بمنع المتهم أو زوجه أو أولاده القصر من التصرف في أموالهم أو إدارتها، ويجب أن يشتمل أمر المنع من الإدارة على تعيين من يدير الأموال المتحفظ عليها، وعلى النائب العام في جميع الأحوال أن يعرض أمر المنع على المحكمة الجنائية المختصة خلال سبعة أيام على الأكثر من تاريخ صدوره، بطلب الحكم بالمنع من التصرف أو الإدارة وإلا اعتبر الأمر كأن لم يكن.
- تصدر المحكمة الجنائية المختصة حكمها في الحالات السابقة بعد سماع أقوال ذوى الشأن خلال مدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ عرض الأمر عليها، وتفصل المحكمة في مدى استمرار العمل بالأمر الوقتى المشار إليه في الفقرة السابقة كلما رأت وجها لتأجيل نظر الطلب.
ويجب أن يشتمل الحكم على الأسباب التي بنى عليها، وأن يشمل المنع من الإدارة تعيين من يدير الأموال المتحفظ عليها بعد أخذ رأى النيابة العامة.
- يجوز للمحكمة – بناء على طلب النيابة العامة – أن تشمل في حكمها أى مال لزوج المتهم أو أولاده القصر إذا توافرت أدلة كافية على أنه متحصل من الجريمة موضوع التحقيق وآل إليهم من المتهم، وذلك بعد إدخالهم في الطلب.
- على من يعين للإدارة أن يتسلم الأموال المحتفظ عليها ويبادر إلى جردها بحضور ذوى الشأن وممثل للنيابة العامة أو خبير تندبه المحكمة، وتتبع في شأن الجرد أحكام المادتين 965 و989 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
- يلتزم من يعين للإدارة بالمحافظة على الأموال وبحسن إداراتها، وردها مع غلتها المقبوضة طبقاً للأحكام المقررة في القانون المدنى بشأن الوكالة في أعمال الإدارة والوديعة والحراسة، وذلك على النحو الذى يصدر بتنظيمه قرار من وزير العدل.
ونصت أيضا المادة 390 من ذات القانون علي أنه: "كل حكم يصدر بإدانة في غيبة المتهم يستلزم حتما حرمانه من أن يتصرف في أمواله أو أن يديرها أو أن يرفع أية دعوى باسمه وكل تصرف أو التزام يتعهد به المحكوم عليه يكون باطلا من نفسه.
- تعين المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها أموال المحكوم عليه حارسا لإدارتها بناء على طلب النيابة العامة، أو كل ذى مصلحة في ذلك وللمحكمة أن تلزم الحارس الذى تنصبه بتقديم كفالة، ويكون تابعا لها في جميع ما يتعلق بالحراسة وتقديم الحساب.
5- هل المنع من التصرف وصف يلحق بالمال فقط أم بالشخص؟
- المقرر بقضاء النقض تطبيقا للقانون 34 لسنة 1971 قبل إلغائه أن: "وضع أموال الشخص تحت التحفظ ومنعه من التصرف فيها أو إدارتها وفقا لأحكام القانون 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب – أسوة بفرض الحراسة وفق ذلك القانون – وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة – إنما هو وصف يلحق بالمال لا بالشخص يترتب عليه غل يد صاحبه عن إدارته والتصرف فيه ولا يفقد إو ينقص من أهليته، وفقا للطعن رقم 1863 لسنة 57 قضائية، والصادر بجلسة 22/6/1995 .
- كما أن المقرر بنص المادة 21 من القانون رقم 34 لسنة 1971 قد رتب البطلان للتصرف الذي يجريه الشخص في أمواله بعد صدور الأمر بمنعه من التصرف فيها إلا أن هذا البطلان إنما قرره القانون لصالح المدعي العام الاشتراكي، ويكون له وحده حق ابطاله وإدخال المال محل التصرف في مركزه المالي الذي يقدمه في دعوى الحراسة التي يقوم بدور الادعاء فيها باسم الشعب ونيابه عنه، طبقا للطعن رقم 1863 لسنة 57 قضائية، الصادر بجلسة 22/6/1995 .
- حيث إن المقرر فقها وقضاءً أن محل التنفيذ هو المال الذي ترد عليه إجراءات التنفيذ ويشترط أن يكون مالاً مملوكاً للمدين وأن يكون قابلاً للحجز عليه، وحيث إن المواد من 305 – 309 من قانون المرافعات قد نظمت الأموال غير القابلة للحجز عليها بالإضافة لما نص عليه في بعض القوانين الخاصة والتي من أخصها الأموال غير القابلة للتصرف كالأموال العامة أو وجود شرط مانع من التصرف وفقاً لنص المادة 823 من القانون المدني، إلا أن وجود الشرط المانع من التصرف يختلف في جوهره عن قرار المنع من التصرف الذي يصدر بناء على المادة 208 مكرراً (أ) من قانون الإجراءات الجنائية إذ أن الأول مرجعه إرادة الأطراف وأنه لا يحاج به أمام الغير إلا إذا كان قد سجل، أما قرار المنع من التصرف - على نحو ما سلف بيانه - فهو قرار لا ينتقص من أهلية الممنوع من التصرف، وأنما وصف يلحق بالمال الممنوع من التصرف فيه ويتقرر فيه البطلان لمصلحة النائب العام دون شخص الممنوع من التصرف.
6- هل يجوز التظلم من المنع من التصرف ومتي يحكم بإنهاء المنع من التصرف أو الإدارة أو تعديل نطاقة؟
يُجيب "عثمان": نظمت المادة 208 مكرر/ ب من قانون الإجراءات الجنائية هذا الأمر، حيث نصت علي أنه: "لكل من صدر ضده حكم بالمنع من التصرف أو الإدارة أن يتظلم منه أمام المحكمة الجنائية المختصة بعد انقضاء ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم، فإذا رفض تظلمه فله أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضت ثلاثة أشهر من تاريخ الحكم برفض التظلم.
- كما يجوز لمن صدر ضده حكم بالمنع من التصرف أو الإدارة ولكل ذى شأن أن يتظلم من إجراءات تنفيذه.
- ويحصل التظلم بتقرير في قلم كتاب المحكمة الجنائية المختصة، وعلى رئيس المحكمة أن يحدد جلسة لنظر التظلم يعلن بها المتظلم وكل ذى شأن، وعلى المحكمة أن تفصل في التظلم خلال مدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ التقرير به.
- وللمحكمة المختصة أثناء نظر الدعوى – من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة العامة أو ذوى الشأن – أن تحكم بإنهاء المنع من التصرف أو الإدارة المقضى به أو تعديل نطاقه أو إجراءات تنفيذه.
- ويجب أن يبين الأمر الصادر بالتصرف في الدعوى الجنائية أو الحكم الصادر فيها ما يتبع في شأن التدابير التحفظية المشار إليها في المادة السابقة.
- وفي جميع الأحوال ينتهى المنع من التصرف أو الإدارة بصدور قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو بصدور حكم نهائى فيها بالبراءة، أو بتمام تنفيذ العقوبات المالية والتعويضات المقضى بهما.
- ولا يحتج عند تنفيذ الحكم الصادر بالغرامة أو برد المبالغ أو قيمة الأشياء محل الجريمة أو بتعويض الجهة المجني عليها بحسب الأحوال بأى تصرف يصدر بالمخالفة للأمر أو الحكم المشار إليهما في المادة السابقة من تاريخ قيد أى منهما في سجل خاص يصدر بتنظيمه قرار من وزير العدل ويكون لكل ذى شأن حق الاطلاع على هذا السجل.
ما المحكمة المختصة بتعيين قيم لإدارة أموال الممنوع من التصرف؟
نصت الفقرة الثانية من المادة 390 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "........ وتعين المحكمة الابتدائية الواقع في دائرتها أموال المحكوم عليه حارسا لإدارتها بناء على طلب النيابة العامة، أو كل ذى مصلحة في ذلك وللمحكمة أن تلزم الحارس الذى تنصبه بتقديم كفالة، ويكون تابعا لها في جميع ما يتعلق بالحراسة وتقديم الحساب".
حكم نقض مدني طبق نص المادة 390 وأبطل إجراءات الخصومة لعدم رفعها من الحارس
المادة 368 من مشروع قانون الاجراءات الجنائية الجديد بشأن حرمان المحكوم عليه غيابيا (في "جناية" لورود النص ضمن الاجراءات التي تتبع في مواد الجنايات في حق المتهمين الغائبين وبالتالي لا يشمل النص الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح) من التصرف في أمواله ورفع دعوى باسمه، فهى موجودة ذات المادة 390 من القانون الحالي، فليس هناك جديد يعني رغم التحفظ على النص قديما وحديثا، وهذا حكم نقض مدني طبق نص المادة 390 وأبطل إجراءات الخصومة لعدم رفعها من الحارس.
حكم نقض بشأن منع المحكوم عليه غيابيا من التصرف فى أمواله 1
الخبير القانونى والمحامى أيوب عثمان