صدر دستور 2014 ونص في المادة 96 منه على أن: "المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وينظم القانون استئناف الإحكام الصادرة في الجنايات"، ولكن نظرا لما يحتاجه استئناف الجنايات من إمكانات مادية ومعنوية نصت المادة 240 من الدستور على امهال المشرع العادي 10 سنوات لتنظيم موضوع استئناف الجنايات.
وهكذا استجاب المشرع الدستوري لحلم ظل يراود الفقه المصري لعقود طويلة، إذ لم يكن مقبولا أبدا أمام خطورة الجنايات وعقوباتها القاسية التي قد تصل الى الإعدام أن تنظر على درجة واحدة وبخاصة أن الجنح وهي أقل خطورة تنظر على درجتين، ولاسيما وأن الطعن بالنقض في أحكام الجنايات ليس درجة ثانية، إذ تقتصر رقابة النقض على تطبيق مدي صحة القانون على وقائع الدعوي دون اعادة نظر وفحص هذه الوقائع وهو ما يتسع له الاستئناف، كما رمي المشرع المصري بالتخلف عن مواكبة التشريعات المقارنة التي أقرت استئناف أحكام الجنايات كالتشريع الفرنسي منذ تسعينات القرن قبل الماضي والعديد من التشريعات العربية.
مستقبل استئناف أحكام الجنايات في ضوء قضاء النقض
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في مستقبل استئناف أحكام الجنايات في ضوء قضاء النقض، وذلك في الوقت الذى لا يزال مشروع قانون تعديل قانون الإجراءات الجنائية حبيس الأدراج بمجلس النواب رغم أهميته وإعلان أغلبية أعضاء البرلمان بأنه من أولويات الأجندة التشريعية خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى انتهاء اللجنة التشريعية من مناقشته وكتابة تقريرها، وبالتالى يتساءل المختصين والدستوريين عن أسباب التأخر فى إصداره حتى كتابة تلك السطور، وذلك فى الوقت الذى أصبح فيه التقاضى فى محكمة النقض مرحلة واحدة بعد أن كان على مرحلتين، مما ضيع على المتقاضين مرحلة قد يعوضها نظام استئناف الجنايات – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية - جاءت خطة الدستور في إمهال المشرع 10 سنوات محل نظر لأنها مدة طويلة جدا، وهو ما دعا الفقه إلي حث المشرع الي تنظيم الاستئناف قبل حلول الآجل، وبديهي أن حلول الآجل دون تقرير حق الطعن بالاستئناف يصم النصوص المنظمة للاستئناف في قانون الإجراءات الجنائية بعدم الدستورية لإغفالها حق قرره الدستور، أما قبل ذلك فلا سبيل للتمسك بحق الاستئناف في الجنايات مادام أن المشرع العادي لم ينظمه ويقره – وفقا لـ"فاروق".
رأى محكمة النقض في الأزمة
غير أن محكمة النقض كان لها رأي مختلف، وذلك في الطعن المقيد برقم 29658 لسنة 86 قضائية حيث ذكرت في حيثيات حكمها: إذ نعي أحد المتهمين أمام النقض علي حكم الجنايات اغفال الرد على دفعه بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 381 اجراءات لمخالفتها للدستور لعدم تقريرها حق الطعن بالاستئناف، فرأت النقض أنه دفع ظاهر البطلان لا جناح علي محكمة الجنايات أن التفت عنه ايرادا وردا واسست النقض الرفض علي سببان الأول أن مهلة العشر سنوات التي ضربها الدستور لم تكتمل بعد، والسبب الثاني أنه يلزم صدور قانون ينظم الطعن بالاستئناف.
الدستور في المادة 224 منه أن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور تبقى نافذه، ولا يجوز تعديلها، ولا إلغائها إلا وفقًا للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، وتلتزم الدولة بإصدار القوانين المنفِّذة لأحكام الدستور، وكانت مدة الخمس سنوات التي حدَّدها المشرع الدستوري في المادة 240 من الدستور لإعمال الفقرة الثانية من المادة 96 من ذات الدستور بموجب قانون جديد لم تنقضِ بعد، ولم يصدر حتى تاريخه تشريع جديد ينظم استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، الأمر الذي يكون معه النعي أيضًا واردًا على غير سند من الجد، ومن ثم يكون النعي بعدم دستورية المادتين، والقرار، والقانون آنفي الذكر، والفقرة الأخيرة من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية واردًا على غير محل، عارٍ من سنده، بما يستوجب الرفض لعدم جديته، بل ولا تلتزم المحكمة حتى بالرد عليه، باعتبارها دفوعًا قانونية ظاهرة البطلان.
رأى أخر لمحكمة النقض حول الإشكالية
كما ذكرت محكمة النقض أيضا في حكم أخر لها في الطعن المقيد برقم 9835 لسنة 83 قضائية – حيث ذكرت في حيثيات الحكم: بأن ما يثيره الطاعن بشأن الدستور الجديد فيما تَضمنه من جعل المُحَاكمة في الجنايات على درجتين مما يبيح له التقرير بالاستئناف على الحُكم الصادر قِبَله ، فمردود بأن ما تَضمَّنه الدستور في هذا الشأن لا يُفيد وجوب تطبيق هذا التعديل إلا باستجابة المُشرع والتَدخُل منه لإفراغ ما تضمنه في نص تشريعي محدد ومنضبط ينقله إلى مجال العمل والتنفيذ يلتزم الكافة بمقتضاه بدءاً من التاريخ الذي تُحدده السُلطة التشريعية لسريان أحكامه، ومن ثم يكون هذا الوجه من النعي على الحُكم بالخطأ في تطبيق القانون ولا سند له.
ويضيف أستاذ القانون الجنائي: وهذا القضاء صحيح في نتيجته، ولكنه محل نظر في أساسه إذ لا يملك المشرع العادي تعطيل حق أقره الدستور بالتقاعس عن تنظيمه، وإلا كان لصاحب الشأن الطعن بعدم الدستورية لإغفال المشرع حق قرره الدستور بغض النظر عن ما أذا كان هذا الحق قابل للإعمال المباشر أم يلزم تدخل المشرع العادي لإنفاذه ذلك أن الحقوق تلقي مظلة حمايتها من الدستور ذاته وما القانون إلا وسيلة لتنظيمها، ومن ثم فمجرد مرور مدة العشر سنوات المقررة في الدستور دون تنظيم المشرع حق استئناف أحكام الجنايات يكون لكل ذي مصلحة أن يطعن بعدم الدستورية من زاوية الاغفال التشريعي، إذ لا يملك المشرع وقف تنفيذ حق قرره الدستور من خلال امتناعه عن تنظيم الحق بعد أن قرره الدستور.
التعديلات الجوهرية التي استحدثها مشروع القانون
يشار إلى أنه فى عام 2017 - دعت لجنة الشئون التشريعية والدستورية بمجلس النواب السابق إلى حوار مجتمعي حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية الذي طالت فيه رياح التغيير ما يناهز نصف نصوص القانون الحالي، وانتهت اللجنة من الاستماع إلى كافة المختصين بمجال القانون من رجال القضاء والنيابة العامة وأساتذة القانون بالجامعات والمحامين، والدستوريين، وغيرهم من رجال القانون بمختلف أنواعه وتخصصاته، وفى محاولة لخروج القانون فى مرحلته الأخيرة بالصورة النهائية.
ومن بين التعديلات الجوهرية التي استحدثها مشروع القانون:
1- وأهمها على الاطلاق - نظام استئناف الجنايات تنفيذا لما نص عليه دستور 2014: "أن تكون الجنايات على درجتين"، وهو أمر أصبح ملحا وضروريا ولا يحتمل التأجيل، خاصة بعد تعديل قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض "بموجب القانون رقم 11 لسنة 2017"، والذى أثقل كاهل محكمة النقض فى نظر "موضوع" القضايا المعروضة عليها عند قبول الطعن وعدم احالتها إلى دائرة جنايات أخرى لنظر الموضوع، فحُرم المتهم من فرصة ثانية امام دائرة جنايات أخرى تنظر الموضوع، وهو تعديل ملح يجب الإسراع إلى إصداره ولو استقلالا عن التعديلات الآتى بيانها.
2- طريقة جديدة للتحقيق والمحاكمات باتخاذ كل أو بعض إجراءات التحقيق أو المحاكمة مع المتهمين والشهود المجنى عليه والخبراء والمدعى بالحقوق المدنية والمسؤول عنها عن بعد من خلال الفيديو كونفرانس، وللمتهم وفقا للقانون، فى أول جلسة الاعتراض على إجراءات المحاكمة عن بعد وتفصل المحكمة فى هذا الاعتراض.
3- استحدث المشروع نصوصاً لحماية الشهود والمبلغين والمجنى عليهم.
4- أعاد تنظيم إجراءات الحبس الاحتياطى وحالاته بحيث يكون الحبس الاحتياطى فى أضيق الحدود التى تقتضيها مصلحة التحقيق "باعتبار أن الحبس الاحتياطى ليس عقوبة" مع التوسع فى بدائل الحبس الاحتياطى باتخاذ أحد التدابير المنصوص عليها "م 117 من المشروع"، والنص على تعويض المتهم عن الحبس الاحتياطى عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من اجراء تقييد حريته، ووضع المشروع شروطا للتعويض "المادة 562 من المشروع".
5- إلغاء الأحكام الغيابية "الجنايات أو الجنح" لتحقيق العدالة الناجزة مع تفعيل نظام دقيق ومُحكم لإعلان المتهم بجلسة المحاكمة بتطوير منظومة الإعلان وربطها ببطاقة الرقم القومى للمتهم وإرسال الإعلانات الهاتفية والإلكترونية "إضافة إلى النظام الحالى للإعلان" وإعداد مركز الإعلانات الهاتفية التابع لوزارة العدل "المسئول عن الإعلان" تقرير بما يفيد استلام تلك الرسائل، وفى حالة تحقق محكمة ثانى درجة من عدم تحقق الإعلان تعيد القضية لمحكمة أول درجة للفصل فى موضوعها من جديد.
6- جواز التصالح فى الجنح المعاقب عليها المعاقب عليها جوازيا بالحبس مدة لا تزيد على سنة، بجانب الجرائم التى يجوز فيها الصلح فى القانون الحالى ومن بينها الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات "جرائم المال العام".
7- إعادة تنظيم أمور المنع من السفر والإدراج على قوائم الترقب والوصول والمنع من التصرف فى أموال المتهم أو إدارتها.