الواقع يؤكد أن الجريمة خطرا يهدد أهم نظم المجتمع، إذ أنها تمس كيانه وتعرقل تقدمه، ونجد أن معظم التشريعات سكتت عن تحديد مفهوم الفاعل الأصلي والشريك، ولكن نجد أن الفقه الجنائي أوضح أن الفاعل الأصلي الذي يكون سلوكه الركن المادي للجريمة، وهذا السلوك مجرم قانونا ومعاقب عليه في جميع الأحوال حيث أنه يشكل جريمة وفق نص التجريم، بينما نشاط المساهم التبعى أو الشريك هو بحسب الأصل غير مجرم قانونا وغير معاقب عليه في القدم، ولكن أصبح مجرما بعد ذلك.
وكان تطبيق القواعد العامة يقتضى أن يفلت هذا النشاط من العقاب إلا أنه صار مجرما لصلته بنشاط الفاعل ومساهمته معه في إحداث النتيجة الإجرامية، وقد يكون الاشتراك بعدة صور إما بالتحريض أو بالاتفاق أو بالمساعدة، ويكون الاشتراك بالتحريض عندما يتجه المحرض إلى التأثير على نفسية الفاعل، فيدفعه إلى ارتكاب الجريمة أي أنه يخلف الفكرة الإجرامية لدى الفاعل ويقنعه بها حتى ينفذها، أما الاشتراك بالاتفاق فهو يقتضى تفاعل إرادتي الشريك والفاعل واتفاق هاتين الإرادتين على أركان الجريمة.
هل يصح الاشتراك في الجريمة بالمساعدة بسلوك سلبي؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية، تتمثل في الإجابة على السؤال.. هل يصح الاشتراك في الجريمة بالمساعدة بسلوك سلبي؟ باعتبار أن الأصل أن من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها – المادة 41 عقوبات - إذ الشريك إنما هو في الواقع شريك في الجريمة ذاتها يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على اشتراكه، هذا ولقد عني المشرع في المادة 40 من قانون العقوبات بتحديد وسائل الاشتراك في الجريمة على سبيل الحصر لا البيان والتمثيل وحصرها في التحريض والاتفاق والمساعدة – بحسب أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض الدكتور ياسر الأمير فاروق.
في البداية - نصت المادة 40 على أن يعد شريكا في الجريمة: "1-كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض، 2- من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق، 3-من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر، مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها"، هذا وكان قد أثير جدل منذ زمن وحتي الآن حول ما إذا كانت المساعدة كإحدى وسائل الاشتراك يلزم أن تكون بأفعال إيجابية أم تصح بسلوك سلبي من جانب الشريك - ومن ذلك الخادم الذي يترك باب مخدومه في الليل مفتوحا لم يغلقه بغية مساعدة الجناة بذلك علي ارتكاب السرقة، وأيضا رجل الأمن الذي تقع جريمة تحت بصره وسمعه وكان في وسعه أن يمنعها فهل يعد كلاهما شريك في الجريمة أن توافر قصد الاشتراك لدية؟ - وفقا لـ"فاروق".
تباينت الأراء الفقهية بين الاشتراك من عدمه
اختلف الرأي في المسالة ومرجع الخلاف ما يردده البعض من أن الامتناع "عدم" والعدم لا ينتج سوي العدم فضلا عن أن تقرير إمكانية تحقق الاشتراك بالمساعدة من خلال سلوك سلبي من شأنه اتساع نطاق التجريم بما يتصادم مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات ولزوم تفسير النصوص الجنائية تفسيرا ضيقا، ولهذا ذهب الفقه الفرنسي التقليدي إلي أن نشاط الشريك بوجه عام يجب أن يكون إيجابيا، إذ لا تصح المساعدة كوسيلة للاشتراك بسلوك سلبي، إذ كل أفعال الاشتراك المذكورة في المادة 60 من قانون العقوبات القديم تتكون من افعال إيجابية، وهو أمر يري الفقه الحديث اتفاقه مع نص المادة 7/121 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد لسنة 1992 المعمول به عام 1994 رغم اختلاف الصياغة – الكلام لـ"فاروق".
وفي مصر يأخذ الرأي الغالب بما ذهب إليه الفقه الفرنسي، ومع ذلك ذهب رأي آخر إلي أن المساعدة تصلح كوسيلة اشتراك من خلال سلوك سلبي متي كان هناك التزام بواجب قانوني علي الشريك يتطلب منه فعل ايجابي فأحجم عنه، ومذهب محكمة النقض الفرنسية علي أن المساعدة في الجريمة لا تصح أبدا بسلوك سلبي من جانب الشريك سواء أكان هناك التزام بواجب قانوني يتطلب منه اتخاذ اجراء فامتنع من عدمه، إذ يلزم دوما أن يقوم بأفعال إيجابية مجهزه أو مسهلة أو متممه للجريمة محل الاشتراك، وهو ما اخذت به محكمة النقض المصرية مع محاولة تبريره، وتعلل محكمة النقض هذا النظر استنادا إلي ظاهر نص المادة 40 من قانون العقوبات والتي ذكرت أمثلة للمساعدة إذ رأت النقض أن تلك الأمثلة أو بالأحرى وسائل المساعدة التي ذكرها النص تتطلب سلوك ايجابي في الاعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة التي يأتيها الشريك ويترتب عليها وقوع الجريمة.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 21598 لسنة 84 قضائية حيث ذكرت في حيثيات حكمها بأن امتناع المتهمين عن سداد قيمة الأعمال التي أقيمت في مقراتهم الخاصة لا يوفر في حقهم جريمة الاشتراك في الاستيلاء على مال عام، إذ أن المساعدة هي تقديم العون أياً كان صورته إلى الفاعل، فيرتكب الجريمة بناءً عليه وهو ما يعني أن يتدخل الشريك مع الفاعل تدخلاً مقصوداً يتجاوب صداه مع فعله، ويتحقق فيه معنى تسهيل الجريمة الذي جعله الشارع مناطاً لعقاب الشريك والمساعدة بهذا المعنى فضلا عن أنها لا تعد اشتراكاً إلا إذا كانت سابقة أو معاصرة للجريمة إذ لا اشتراك بأعمال لاحقة، فإن المساعدة كل صورها يجب أن تصدر عن فعل إيجابي دون الأفعال السلبية على ما هو مستقر عليه في الرأي الراجح من الفقه وأحكام هذه المحكمة.
والواقع أن المساعدة في ارتكاب الجريمة تتحقق في بعض الأحيان بنشاط إيجابي أو نشاط سلبي والعمد في ذلك دورها المؤثر في تحقق الجريمة التي قصدها الشريك من الامتناع ولا محل للخشية من أن يؤدي ذلك إلي إفراط في الاشتراك لأنه من المتفق عليه أن السلوك السلبي لا يعد امتناع معاقب عليه إلا إذا كان مقترن بواجب قانوني يفرض علي الممتنع القيام بعمل إذ الامتناع بوجه عام هو التخلي عن أداء عمل واجب قانوني، فهو ليس مجرد سكون أو عدم، والقانون حين يعاقب عن الامتناع لا يعاقب عن السكون، وإنما يعاقب عن عدم القيام بالعمل الذي فرضه علي الشخص والذي ظهر في العالم الخارجي علي أنه سكون وأحجام.
و3 أمثلة وضعها المشرع تحديد وسائل الاشتراك في الجريمة
وهذا الحكم يسري علي الفاعل والشريك جميعا، وينبي علي ذلك أن الجار لا يعد شريكا بالمساعدة إذا رأي اللصوص يسرقون بيت جاره وكان في وسعه منعهم أو التبليغ عنهم، فامتنع بعكس الشرطي إذ الأول لا التزام بواجب قانوني في منع الجريمة بخلاف الآخر، أما ارتكان محكمة النقض علي ظاهر نص المادة 40 لنفي المساعدة بسلوك سلبي فمحل نظر ذلك أن المشرع ذكر الأعمال المجهزة والمسهلة والمتممة للجريمة وعني بذكر أمثال لها ويستفاد من تلك الأمثلة بحسب سياق النص أن المساعدة تصح بأي وسيلة كانت، إذ جري نص المادة 40 علي أن يعد شريكا في الجريمة من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها.
فعبارة ساعدهم بأي طريقة أخري تعني بمفهوم المخالفة غير ما ذكر في النص من اعمال ايجابية تتمثل في إعطاء الشريك الفاعل أسلحة وآلات وادوات أو أي اشياء أخري أي ولو كانت الوسيلة مجرد امتناع فذكر المشرع لأمثلة لبعض الافعال الإيجابية، وفتح الباب لما هو على شاكلتها لا يعني استبعاد ما عداها من وسائل الامتناع وإلا اعتبرت عبارة أو ساعدهم بأي طريقة أخري فضله زائدة وحشو وتكرار ولتعطل النص في حين أن أعمال النصوص أولي من اهمالها.