لازالت الإجتهادات مستمرة حول الأحكام التي تصدر من محكمة النقض حول مدى جواز الطعن على أحكام "الخلع" رغم انتهائيتها وعدم جواز الطعن عليها من الناحية القانونية، وفى الحقيقة كثير من السيدات يلجأن لمحكمة الأسرة لخلع أزواجهن لأسباب تتعلق سواء بالعنف أو المرض أو لمشاكل أخرى، وهناك دعاوى قضائية ترتكن لـ "أخاف ألا أقيم حدود الله "، والتي يربطها الكثير بضعف الرجل الجنسي.
ولكن الحقيقة التي لا شك فيها أن هناك زوجات يفترين على أزواجهن ثم يلجأن لمخرج "الخلع"، ومما لا شك فيه أنه إذا عدمت المحبة بين الزوجين، وحلت محلها الكراهة، وكثرت المشاكل، وزاد الشر، وكثر الخلاف، وظهرت العيوب من الزوجين أو أحدهما، فإن الله عز وجل جعل للخروج من ذلك سبيلا ومخرجا، ورخص في علاج يريح الطرفين، فإن كان ذلك من قبل الزوج فقد جعل الله بيده الطلاق وإن كان ذلك من قِبَل الزوجة فقد أباح الله لها الخلع، بأن تعطي زوجها ما أخذت منه، أو أقل، أو أكثر ليفارقها، وشرع الله الخلع للمرأة في مقابلة الطلاق للرجل، وجعله طريقا للخلاص من الخلاف.
رغم عدم جواز الطعن عليه.. ما هي المحكمة المختصة للطعن على حكم الخلع؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل اجتهادان حديثان لمحكمة النقض في المحكمة المختصة بدعوى بطلان حكم الخلع حيث أن الإتجاه الأول يسند إختصاص محكمة الأسرة نوعياً بدعوى بطلان حكم الخلع لتجردة من أركانه الرئيسية، وذلك بنص القانون المنشئ لمحكمة الأسرة، بينما يرى الإتجاه الثانى إختصاص المحاكم المدنية بدعوى بطلان حكم الخلع لتجردة من أركانه الرئيسية، وذلك بإعتبارها صاحبة الإختصاص الأصيل ولخلو القانون المنشئ لمحكمة الأسرة من نص ينظم هذه المسألة – بحسب الدكتور الأنصاري النيداني، أستاذ ورئيس قسم قانون المرافعات بجامعة بنها.
في البداية - من المقرر فقهاً وقضاء أنه وإن كان الأصل عدم جواز رفع دعوى بطلان ضد الأحكام القضائية، إلا أنه يجوز هذا إستثناءً إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية، وإنحدر إلى حد الإنعدام، وإن كان الحكم فى دعوى الخلع لا يقبل الطعن فيه بأى طريق من طرق الطعن، بيد أن هذا الحكم إذا تجرد من أركانه الرئيسة جاز ملاحقته بدعوى البطلان الأصلية، ويثور هنا التساؤل في تلك الحالة عن المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم الخلع، هل هي محكمة الأسرة، أم المحاكم المدنية باعتبارها صاحبة الإختصاص الأصيل؟ - وفقا لـ" النيداني".
اتجاهان لمحكمة النقض في هذا الشأن
الإتجاه الأول: إختصاص محكمة الأسرة نوعياً بدعوى بطلان حكم الخلع لتجرده من أركانه الرئيسية، وذلك بنص القانون المنشئ لمحكمة الأسرة
وسندها في ذلك أن النص في المادة الأولى من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه: تسري أحكام القانون المرافق على إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والوقف، ويطبق فيما لم يرد بشأنه نص خاص فيه أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأحكام قانون الإثبات...، يدل على أن أحكام القانون رقم 1 لسنة 2000 هي الأصل الأصيل الذي يجب التزامه، ويتعين الرجوع إليه، فيما يتعلق بإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، فلا يجوز تطبيق أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية، إلا فيما لم يرد شأنه نص خاص في القانون رقم 1 لسنة 2000 سالف البيان، وكانت الفقرة الأخيرة من المادة 20 من هذا القانون لا تجيز الطعن في الحكم الصادر بالخلع بأب طريق من طرق الطعن ، فإن الطعن عليه بالاستئناف أو النقض يكون غير جائز – الكلام لـ" النيداني".
هذا وقد جاء في حيثيات حكم محكمة النقض المقيد برقم 6234 لسنة 85 قضائية والذى سبق وأن تصدت لتلك الإشكالية – أنه لما كان التطليق للخلع هو إحدى مسائل الأحوال الشخصية، التي نظم هذا القانون إجراءات التقاضي فيها، وكان النص فى المادة 3/1 من القانون رقم 10 لسنة 2004 بإنشاء محاكم الأسرة، على أنه:- تختص محاكم الأسرة دون غيرها، بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية، التي ينعقد الاختصاص بها للمحاكم الجزئية والابتدائية، طبقاً لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000، وإذ كان موضوع الدعوى الماثلة يتعلق ببطلان الحكم الصادر فى الدعوى رقم 1508 لسنة 2012 أسرة دسوق، القاضي بتطليق المطعون ضدها خلعاً على الطاعن، ومن ثم فإن الاختصاص بنظر الدعوى الماثلة ينعقد لمحاكم الأسرة دون غيرها عملاً بنص القانون المنشئ لها.
الإتجاه الثانى: إختصاص المحاكم المدنية بدعوى بطلان حكم الخلع لتجرده من أركانه الرئيسية وذلك بإعتبارها صاحبة الإختصاص الأصيل ولخلو القانون المنشئ لمحكمة الأسرة من نص ينظم هذه المسألة
وسندها في ذلك أن محاكم الأسرة التي أنشئت بالقانون رقم 10 لسنة 2004 تختص دون غيرها بنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية التي ينعقد الاختصاص بها للمحاكم الجزئية والابتدائية طبقاً لأحكام قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر بالقانون رقم 1 لسنة 2000 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2000، ذلك أن المشرع أراد بالقانون رقم 10 لسنة 2004 إدخال نظام متكامل لمحكمة الأسرة في التنظيم القضائي المصري بتخصيص محكمة لنظر جميع مسائل الأحوال الشخصية للولاية على النفس والولاية على المال بحيث تجمع هذه المحكمة شتات ما يثار بين أطراف الأسرة الواحدة من دعاوى بشأن تلك المسائل جميعها على منصة واحدة متخصصة.
رأى محكمة النقض
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لتلك الإشكالية بهذا الإتجاه الثانى المختلف عن الأول في الطعنان 36 ، 38 لسنة 91 قضائية " أحوال شخصية" - جلسة 22 يونيو 2021 والذى جاء فيه: ومن المقرر أن مسائل الأحوال الشخصية هي مجموعة متميزة من الصفات الطبيعية أو العائلية للشخص والتي رتب القانون عليها أثرا في حياته الاجتماعية ككونه إنسانا ذكر أو أنثى وكونه زوجاً أو أرمل أو مطلقا وكونه أبا أو ابناً وكونه كامل الأهلية أو ناقصها لصغر سنه أو عته أو جنون باعتبار أنها تقوم على تقرير مراكز قانونية أو حالات أو صفات معينة يرتب عليها القانون أثرا في حياة الأشخاص الاجتماعية.
وتضيف "المحكمة": كانت المادة 3 من القانون رقم 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة قد أحالت إلى المادتين 9 ، 10 من القانون رقم 1 السنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، في شأن تحديد المسائل التي تختص بها محاكم الأسرة على سبيل الحصر سواء في المسائل المتعلقة بالولاية على النفس أم بالولاية على المال، وخلت نصوص القانونين رقمي 1 لسنة 2000 المعدل بالقانون 91 لسنة 2000 و 10 لسنة 2004 سالفي الذكر من النص على اختصاص محاكم الأسرة - المحدد على سبيل الحصر - بنظر طلب بطلان أو انعدام حكم صادر من محكمة الأسرة، فمن ثم ينحسر الاختصاص بنظر هذه الدعوى عن محاكم الأسرة وينعقد للمحاكم المدنية باعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل في نظر المنازعات المدنية والتجارية.
الدكتور الأنصاري النيداني، أستاذ ورئيس قسم قانون المرافعات بجامعة بنها