الجمعة، 22 نوفمبر 2024 08:19 م

هل الرشوة تُبطل الصيام؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعى.. وتؤكد: إذا اضطر شخص لدفعها للحصول على خدمة يكون الإثم على المرتشى

هل الرشوة تُبطل الصيام؟.. الإفتاء توضح الحكم الشرعى.. وتؤكد: إذا اضطر شخص لدفعها للحصول على خدمة يكون الإثم على المرتشى الرشوة - أرشيفية
الجمعة، 08 أبريل 2022 09:00 ص
كتب علاء رضوان

العالم الإسلامي يعيش بآسره في شهر رمضان الكريم حالة من الروحانيات الربانية والتي تتناسب مع عظمة وجلالة الشهر المُعظم، والذي يسعى المسلمين فيه لتقرب إلى الله عز وجل بمزيد من الطاعات والعبادة، وترك كل ما نهى الله عنه وفى مقدمته الحفاظ على عدم التعدي على حقوق الغير أو حتى قبول أو أخذ ما ليس من حق أحد أخذه، وكذا مع محاولات الترفع عن فعل ما يغضب الله في رمضان، إلا أن هناك قضايا تهم كل صائم في مصر، وفى مقدماتها القضايا التي تتعلق بالمعاملات، وخاصة المرتبطة بالتعامل مع الموظفين والعاملين فى بعض المنشآت والمؤسسات والشركات، حيث يصطدم المواطن بإشكالية "الرشوة".

 

 

"الإكرامية، الشاي، البقشيش، العمولة".. ألفاظ متعددة لغرض واحد وهو التلاعب من أجل تبرير الرشوة وكلها تؤدي الى طريق الرشوة والحصول على مبالغ مالية مقابل تسيير أعمال منها المشروع للحصول على حق ومنها الغير مشروع للحصول على أمر ليس من حقه، وعلى الرغم من الروحانيات في شهر رمضان إلا أن هناك العديد من الظواهر السلبية في المجتمع التي تختبأ وسط زحمة تلك الحالة المفعمة بالإيمان، أبرزها إجبار المواطن على الرشوة لدرء ظلم قد يقع عليه، أو لإنهاء خدمة في أي مصلحة حكومية.. فهل يعاقب الشخص على عرض رشوة لدرء ظلم؟ وهل تبطل الرشوة الصيام في نهار رمضان؟ 

 

images

 

هل الرشوة في نهار رمضان تبطل الصيام؟

 

للإجابة على هذه الإشكالية – يقول أستاذ القانوني الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق – أن الرشوة هى اتجار موظف عام فى أعمال وظيفته، ويستوى فى الرشوة أن تكون لأداء عمل حق أو غير حق، وذلك لأن المشرع استهدف من العقاب شرف الوظيفة العامة ونزاهتها، ولهذا لا يصح دفاعا للراشى أنه قدم الرشوة للحصول على حق ثابت له ومشروع.

 

هل يعاقب الشخص على عرض رشوة لدرء عمل ظالم؟

 

ووفقا لـ"فاروق" فى تصريح لـ"برلمانى" – فى الحقيقة المسألة هنا محل خلاف فى الفقه، فذهب رأى إلى عدم عقاب الراشى لانتفاء القصد الجنائى لديه، وذلك لأنه لم يبغى شراء ذمة الموظف، بل فحسب درء العمل الظالم المحدق به، وهذا الرأى محل نظر لأن الراشى فى هذه الحالة غرضه أساسا شراء ذمة الموظف وباعثه الخلاص من العمل الجائر، والعبرة فى توافر القصد بالغرض لا بالباعث، وذهب رأى آخر إلى عدم عقاب الراشي، وذلك لتخلف شرط الاختصاص اللازم لقيام الجريمة، وذلك لأن الموظف خلق من عندياته ظروف تعطيه الاختصاص فلم يعد يتصرف باعتباره ممثل للدولة وعاملا من عمالها، وبالتالي فإن عرض الرشوة على مثله لا جريمة فيه، وهذا الرأي بدوره - محل نظر - إذ لا يلزم لتحقق الرشوة أن يكون الموظف مختص فعلا بالعمل الوظيفي، وإنما يصح أيضا الزعم بالاختصاص عن طريق افتعال الواقعة التى تحققه، ويرى القضاء تحقق مسؤولية عارض الرشوة لدرء عمل ظالم طالما لم تتوافر فى شأنه شروط حالة الضرورة، ورفض تبعا لذلك قالة وقوع العارض تحت تأثير إكراه. 

 

2

 

تباين الآراء القانونية بين عقاب الراشى من عدمه لانتفاء القصد الجنائى

 

ومذهب القضاء بدوره محل نظر، إذ من المستحيل توافر حالة الضرورة فى الفرض محل البحث، والرأى عندنا تحقق مسؤولية عارض الرشوة، إذ من المقرر أن جريمة عرض الرشوة تتحقق فى جانب العارض متى كان العرض جديا إذ يكفى مجرد العرض الذى لا يصادف قبول لدى الموظف العام، وأن كان ذلك يخالف مبادئ العدالة، ولهذا نهيب بالمشرع أن يتدخل لحل هذه المسألة، وإلى أن يتم ذلك فإن القاض بما يملكه من سلطه فى تفريد العقاب يملك تخفيف العقاب – الكلام لـ"فاروق".

 

من هم فى حكم الموظف العام؟ 

 

وفى الحقيقة - تبذل الجهات المعنية بالدولة مجهودات مضنية لضرب أوكار الفساد وحماية مقدرات الدولة وحقوق المواطنين، حيث أن الرشوة معناها متاجرة الموظف العام بأعمال وظيفته من أجل تحقيق مصلحة خاصة؛ تتمثّل فى الكسب غير المشروع من الوظيفة، على حساب المصلحة العامة عن طريق الطلب أو الأخذ أو قبوله لنفسه أو لغيره عطية من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل يعد من أعمال وظيفته أو الاخلال بواجب من واجباتها، كما أن الرشوة من جرائم ذوى الصفة الخاصة فى القانون لأنها تفترض فى مُرتكِبها صفة خاصة لا تقوم الجريمة بدونها، وهي: كون المُرتشى موظفاً عاماً مُختصاً بالعمل الذى تلقّى الرشوة للقيام به، وبناءً على هذه الصفة المُفترَضة، تعدّ جريمة الرشوة، كذلك من جرائم الوظيفة العامة، ويعد فى حكم الموظف العام وفق صريح نص المادة 111 من قانون العقوبات الأتى ذكرهم – هكذا يقول "فاروق":

 

1- المستخدمون فى المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها.

 

2- أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أم معينين.

 

3- المحكمون أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون.

 

4- كل شخص مكلف بخدمة عمومية.

 

5- أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم فى مالها بنصيب ما بأية صفة كانت.

 

7

 

شروط انعقاد جريمة الرشوة

 

ويُضيف أستاذ القانون الجنائى: جريمة الرشوة لا تتم إلا بانعقاد الاتفاق غير المشروع بين الراشى والمرتشى أو الوسيط بينهما فى ذلك، ولا يشترط فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخلة فى نطاق الوظيفة مباشرة، بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون قد طلب رشوة للاتجار بأعمال وظيفته، ويستفاد ذلك من نص المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق فى جانب الموظف ومن فى حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً لأداء عمل من أعمال الوظيفة، كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة، إذ يكفى إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذى لا يدخل فى نطاق اختصاصه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص.

 

جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله، ولو كان العمل الذى يدفع الجعل لتنفيذه غير حق، ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوى القيام به لمخالفته لأحكام القانون، ما دام العمل المطلوب فى ذاته وبصورة مجردة داخلاً فى اختصاص الموظف، وما دام أن زعم الاختصاص يكفى لتمام الجريمة لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركنًا فى الجريمة، لأن الشارع سوى فى نطاق جريمة الرشوة بما استنه فى نصوصه التى استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التى تفرضها الوظيفة فيه وذلك عن طريق الاتجار فيها، وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقًا للعقاب حين يتجر فى أعمال الوظيفة على أساس موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء. 

 

1

 

ما هى صور الرشوة؟

 

إن المشرع قد نص فى المادة 104 من قانون العقوبات - التى عددت صور الرشوة - على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة للموظف ومن فى حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال وظيفته، فكل انحراف عن واجب من واجبات الوظيفة أو الامتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة، ومن المقرر قانوناً أنه لا يلزم فى جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفى أن يكون له علاقة به أو يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة .

 

ويتوافر القصد الجنائى فى جريمة الرشوة بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وأن العطية إذا قدمت للمتهم تنفيذاً للاتفاق السابق الذى انعقد بينه وبين المجنى عليه لقاء اقتراف جريمته فهذا مما يتحقق به معنى الاتجار فى الوظيفة ويقوم به القصد الجنائى.

20210407203052936

 

نص القانون على حالات للإعفاء منها حتى يتم كشفها

 

ولأن جريمة الرشوة جريمة خفيه نص القانون على حالات للإعفاء منها حتى يتم كشفها، حيث تنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات على أنه: "يعاقب الراشى والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، ومع ذلك يعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها"، ومفاد هذا النص أن هناك حالات لإعفاء الراشى والوسيط من العقوبة، الأولى الإبلاغ قبل أو أثناء أو بعد وقوع الجريمة، ويعفى الراشى والوسيط من العقوبة المقررة للمرتشى إذا أبلغ السلطات، وكذا اعترافه بها. فى تحقيق العذر المعفى من عقوبة الرشوة، فيقوم أحدهما مقام الآخر فى ترتيب الإعفاء من هذه العقوبة، وعلة هذا الإعفاء هى أن الراشى - أو الوسيط - يؤدى باعترافه أو بإخباره على السواء - خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذى ارتكابها وتسهيل إثبات الجريمة عليه.

 

إذا حصل الاعتراف لدى المحكمة فالقانون لم يشترط له أى شرط بل جاء لفظه فيه مطلقاً خالياً من كل قيد زمنى أو مكانى أو كيفى فلا يجوز أن يضع له القاضى قيوداً، بل كل ما له هو أن يتحقق من حصول مدلول لفظ الاعتراف وهو إقرار الشخص بكل وقائع الجريمة وظروفها إقراراً صريحاً لا مواربة فيه ولا تضليل، فمتى وقع هذا المدلول حق الإعفاء بدون نظر إلى أى أمر آخر، أما إذا حصل الاعتراف بالجريمة لدى جهات التحقيق، ثم أنكر التهمة أمام المحكمة ولَم يعترف بها، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء أثره.

5

عقوبة الرشوة

 

عقوبة جريمة الرشوة السجن المؤقت، وغرامة لا تقل عن مئة ألف جنيه مصرى ولا تزيد عن مبلغ الرشوة، وفى جميع الأحوال مصادرة مبلغ الرشوة، وقد أكدت المادة 108 عقوبات إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة فيعاقب الراشى والمرتشى والوسيط بالعقوبة المقررة، لذلك الفعل مع الغرامة المقررة للرشوة ويعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من هذا القانون.

 

وتنص المادة 108 مكرر كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به ووافق عليه المرتشى أو أخذ أو قبل شيئاً من ذلك مع علمه بسببه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة مساوية لقيمة ما أعطى أو وعد به وذلك إذا لم يكن قد توسط فى الرشوة، وتؤكد المادة 109 مكرر عقوبات أن من عرض رشوة ولم تقبل منه يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ألف جنيه، وذلك إذا كان العرض حاصلاً لموظف عام، فإذا كان العرض حاصلاً لغير موظف عام تكون العقوبة الحبس لمدة لا تزيد على سنتين او غرامة لا تجاوز مائتى جنيه، وتنص المادة 109 مكرر ثانياً عقوبات مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد يقضى بها قانون العقوبات أو أى قانون آخر يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة ولم يتعد عمله العرض أو القبول.

رئيسية

كيف نحارب الرشوة؟

 

ولمحاربة الرشوة لابد من نشر الوعى بين أفراد المجتمع: للتوعية الكاملة بأضرار الرِّشوة بآثارها الخطيرة على الفرد ذاته وعلى مجتمعه من خلال وسائل الإعلام أو المدارس أو الجامعات ودور العبادة ، الاهتمام بتعيين الموظف المناسب فى المكان المناسب وجوب المُساواة فى التعامل مع الجميع، ولم يُفرق بين أحد عند وقوع جريمة الرشوة ويجب مواجهة تلك الجريمة بكل حزم وفقاً للقانون ، تسهيل الإجراءات المُتبعة فى المعاملات فى المصالح الحكومية والميكنة إحدى طرق الحد من تفشى الرشوة فى المجتمع ، العمل على تحقيق التوازن الاقتصادى وعدالة توزيع الثروات بين أفراد المجتمع: إنَّ توزيع الحقوق على أصحابها دون أى مُحاباة ، وتحقيق العدالة والحيادية من الأمور الهامّة فى التّخلص من الرشوة بشكلٍ قاطع.

 

رأى محكمة النقض فى الأزمة 

 

هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدى لمثل هذه الأزمة فى الطعن المقيد برقم 1265 لسنة 30 حيث قالت فى حيثيات الحكم: "متى كان الموظف مختصاً بالعمل فلا فرق بين أن يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه، كما يؤاخذ القانون على الرشوة بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف حقاً أو غير حق - فإذا كان الثابت أن مفتش الأسعار وقت أن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن فى مصنع المتهم، إنما كان يقوم بعمل من أعمال وظيفته ولم يكن فى الإجراء الذى قام به أية مخالفة للقانون".

 

وقد أسفرت الواقعة عن تقديم المتهم بالفعل للمحاكمة عن جريمة أنه طرح للبيع "شيئاً" معبأ فى أغلفة ناقصة الوزن، فإن قضاء المحكمة ببراءة المتهم عن هذه الواقعة استنادا إلى أن عدم التعبئة يجعل الجريمة منعدمة لا يترتب عليه أن المتهم كان فى حالة إكراه معنوى أو حالة ضرورة عند عرض الرشوة، وإنما كان عرضها للتأثير فى مفتش الأسعار وحمله على الإخلال بواجبه بالامتناع عن ضبط الأغلفة الناقصة فى الوزن للتوجه بها إلى مراقبة الأسعار لوزنها هناك، و من ثم كان سليماً ما ذكره الحكم من أن براءة المتهم من واقعة عرضه للبيع " شيئاً" بأغلفة ناقصة الوزن لا يؤثر فى قيام جريمة عرض الرشوة على الموظف.

64949201_855531738180784_5644251926536126464_n

أستاذ القانونى الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق

 

ثغرة الرشوة والمكافأة اللاحقة

 

أما عن معيار التمييز بين جريمتي الرشوة و"المكافأة اللاحقة" بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل "العطية"، فعلينا أن نعلم أن الرأي الشرعي لكل هذه المفاهيم السابق ذكرها يؤدى إلى نتيجة "الرشوة"، ولذلك فهي "حرام شرعا"، بينما معيار التمييز بين جريمتي "الرشوة" و"المكافأة اللاحقة" هو زمن توافر الاتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل "العطية"، فإن تحقق الاتفاق قبل أداء العمل كنا حيال رشوة طبقا للمادة 103 من قانون العقوبات، وإن لم يتحقق الاتفاق ولكن أدي الموظف العمل الوظيفي ثم قبل وآخذ عطية لقاء ذلك كنا حيال مكافأة لاحقة طبقا للمادة 105 من ذات القانون.

 

العقوبات في جريمتي الرشوة والمكافأة اللاحقة.. ويعتبرها البعض ثغرة

 

ولما كانت المادة 103 من قانون العقوبات تنص على أن: "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به"، كما تنص المادة 105 منه على أن: "كل موظف عمومي قبل من شخص أدى له عملاً من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجباتها هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه".

 

معيار الاتفاق بين الجريمتين

 

ومفاد هذين النصين السابق ذكرهما أنه إذا توافر "اتفاق" بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل انطبقت المادة 103 من قانون العقوبات يستوي في ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه ما دام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية، بينما إذا كان أداء العمل - أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة - غير مسبوق باتفاق بين الراشي والمرتشي فإن العطاء اللاحق في هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 من قانون العقوبات، وذلك طبقا للطعن رقم 6578 لسنة 53 جلسة 1984/03/13، وهذا القضاء صحيح وتبدوا أهميته في التالي:

 

1-تحديد تاريخ ارتكاب الجريمة.

 

2-اعفاء مقدم المكافأة من العقاب إذا اعترف بالجريمة.

 

 اعتراف مقدم المكافأة

 

 إذ طالما كنا إزاء مكافأة لاحقة فإن الجريمة لا تقع إلا بأخذ الموظف المكافأة، أما قبل ذلك فلا جريمة وبالتالي فإن صدور الإذن بضبط وتفتيش الموظف حالة اخذه المكافأة من صاحب الحاجة هو إذن باطل لصدوره عن جريمة مستقبلية، حيث أن اعتراف مقدم المكافأة بتقديم العطية للموظف نظير ما أنجزه  من عمل لا يعفيه من العقاب ذلك أن الإعفاء قاصر علي الرشوة التقليدية باعتبارها إتجار موظف بأعمال وظيفته لقاء عطيه، أما في المكافأة فلا اتجار بأعمال الوظيفة إذ لا اتفاق سابق علي أداء العمل مقابل العطية أو الجعل ومن ثم لا إعفاء من العقاب فيها.

 

تصدى دار الإفتاء للمصطلحين

 

يشار إلى أن دار الإفتاء المصرية تتصدى لمثل هذا السؤال بشكل دائم حيث أفتت بأن الرشوة قد عرفها - ابن حزم رحمه الله - في المحلى بقوله: "هي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل، أو ليولي ولاية، أو ليظلم له إنسان"، وعرفها السبكي في الفتاوى بقوله: "ما يعطى لدفع حق أو لتحصيل باطل"، وقال بدر الدين الزركشي في كتابه المنثور في القواعد: "الرشوة أخذ المال ليحق به الباطل أو يبطل الحق، فأما إذا كان مظلوماً فبذل لمن يتوسط له عند السلطان في خلاصه وستره فليس ذلك بإرشاء حرام، بل جعالة مباحة".

 

والإكرامية إذا كان ينطبق عليها شيء من التعريفات السابقة، بأن كانت مالا أعطي لتحقيق باطل أو إبطال حق، فهي الرشوة بعينها، ولا عبرة بتغيير اسمها، وإن كانت شيئاً يهديه المرء إلى صديقه أو قريبه ونحوهما، فإنها تكون هدية، وقد رغب فيها الشارع الحكيم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا - أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والبيهقي من حديث أبي هريرة بسند جيد، وإن كانت مالا يعطيه المرء ليتوصل به إلى حقه، حيث لم يتمكن من تحصيل حقه بدونها، فإنها في حق الآخذ تكون رشوة حراماً، وفي حق المعطي مباحة

 

 رأى دار الإفتاء عن عرض رشوة لدرء عمل ظالم

 

أما دار الإفتاء المصرية حينما عرض عليها السؤال عن عرض رشوة لدرء عمل ظالم، قالت فى الفتوى المقيدة برقم 1713: "فالرشوة التى يتوصل بها المرء إلى حقه الذي لا يستطيع أن يتوصل إليه إلا بها، أو يدفع بها ظلم ظالم يجوز له تقديمها، ويكون الإثم على المرتشين دون الراشى، وأما ما يتوصل به إلى باطل أو إلى ما ليس حقاً له أو حقاً له كان يمكنه الوصول إليه بغيرها، كأن يكون غير صالح لكى يُعطى رخصة قيادة فيدفع مالاً للحصول عليها، فإن هذه رشوة محرمة".  

 

هل دفع رشوة لموظف فى نهار رمضان يبطل الصوم؟

 

ورد سؤال إلى الدكتور محمد وسام - أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية - يقول "هل دفع رشوة لموظف فى نهار رمضان يبطل الصوم؟"، فأجابه وسام قائلا: إن دفع رشوة لا يبطل الصوم.

 

وتابع أمين الفتوى من خلال البث المباشر للصفحة الرسمية للدار على فيسبوك، مؤكدا أنه على الجميع عدم استسهال أمر الرشوة في ظل الحكم بعدم إبطاله للصوم بأن يدفع أي شخص رشوة لقضاء مصالحه، لكن لكل مواطن الحق فى الحصول على الخدمة أو أداء المصلحة فى حدود القانون، وإذا اضطر الإنسان لهذا العمل فيكون الإثم بذلك على الموظف أو الشخص الذى تقاضى هذه الرشوة نظير تيسير مصلحة أو خدمة. 

 

8

 

رأى أخر لأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية

 

قال الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن الرشوة محرمة شرعًا بكل صورها بنص الكتاب والسنة؛ فقال تعالى:  )وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)، وقول النبي "صلى الله عليه وسلم": "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش".

 

وأضاف عثمان، فى إجابته عن سؤال: "بعض الأشخاص يدفعون رشوة لقضاء مصلحة فهل عليه ذنب ؟"، أن من يذهب لقضاء مصلحة له ويعطي الموظف شيئًا من المال حتى ينهي له عمله فهذا حرام، ويحرم على الأخ والمعطي ذلك، ولابد أن يكُف يده عن هذه المشاركة فى هذا الإثم.

 

وأشار إلى أنه طالما كل شخص يريد أن تقضى مصلحته سريعًا بدفع مال للموظف فجميع الموظفين سيتعودون على هذا لذلك لا تعطي مالًا حتى لو تأخرت المصلحة كذلك الموظف مطالب أن يقوم بعمله وأن لم يقوم فنشتكيه لرئيسه فى العمل، فلابد أن نعالج سلبيات هذا المجتمع والمؤسسات التى تقوم بأخذ رشوة.

 

الفرق بين الرشوة والإكرامية

 

 

أوضح الدكتور مجدى عاشور، مستشار مفتي الجمهورية، عن حكم الرشوة فى الشريعة الإسلامية، وقال إن الرشوة محرمة شرعًا بكل صورها بنص الكتاب والسنة؛ فقال- تعالى: )وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)، وقول النبي "صلى الله عليه وسلم": "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش"

 

وأضاف "عاشور"، فى إجابته عن سؤال: "ما حكم دفع الرشوة لقضاء مصلحة؟"، أن من يذهب لقضاء مصلحة له ويعطي الموظف شيئًا من المال حتى ينهي له عمله، فهذا حرام، وهي أبشع ما يفعله الإنسان، لأنها تدعو لانتشار الفساد، فيجب على كل إنسان منا أن يرفض هذا الأمر، بأن يجعل الموظف ينهي له مصلحته دون أن يدفع رشوة.

 

وأشار الدكتور مجدى عاشور إلى أنه إذا استطاع الإنسان إنهاء أعماله من غير دفع للرشوة حُرِم عليه دفعها، لأنها باب كبير من الفساد وأول ضرر يقع على صاحبها هي الرشوة.

 

وأوضح مستشار مفتي الجمهورية أن الرشوة أصبحت من الأمراض المجتمعية، ولابد من مواجهتها، لأن تكرار الخطأ وتركه يجعل الخطيئة أمر عادى.

 

وقال مجدي عاشور ان الرشوة تعد أكلا للأموال بالباطل، وأصبح البعض يعبر عنها بمسميات مختلفة؛ كى يجعلوها أمرا مكتسبا، موضحا أنه حتى مجرد دفع أموال لأخذ دور متقدم لتخليص أوراق؛ فهذا يعد من باب الرشوة.

 

ولفت مستشار مفتي الجمهورية إلى أن تسمية الرشوة بـ"الإكرامية" أو "غيرها" لا يجعلها جائزة، لأن الإكرامية ستتحول إلى حق مكتسب، وتصبح رشوة.

 

وشدد مستشار المفتي، على أنه لا ينبغى تعميم الاتهام بانتشار الرشوة، حتى لا ننشر الشعور باليأس والإحباط، كما لا ينبغى التعميم في الحديث عن الفساد، مؤكدا أن الرشوة بحاجة لمواجهة اجتماعية للقضاء عليها، فهي لن تزول إلا بتكاتف المجتمع.

موضوعات متعلقة :

للورثة الالكترونيين..كيفية وقف خط المحمول من الورثة واغلاق المحفظة الالكترونية.. 3 خطوات حددها المشرع لوقف الخط..و7 خطوات لتغيير ملكية خط المحمول

لألاف الأزواج المتضررين.. هل من حق الزوج التعويض عن التعسف فى استعمال حق الخلع؟.. المشرع فرق بين "الحق" و"استعماله" لمنع التعسف

هل يرث القاتل المقتول؟.. المشرع اعتبر القتل العمد والتخطيط له والاشتراك فيه من موانع الإرث.. و3 حالات مستثناة منها القتل الخطأ

للمستثمرين والتجار.. المشرع وضع 13 نوع للشيكات من الاسمى لـ"السياحى".. وفرق بين التظهير والتسطير والإيقاف..وحدد 15 سببا لرفض الشيك

اشتراطات السلامة المهنية فى قانون العمل الجديد.. 6 التزامات وضعها المشرع للمؤسسات من أجل بيئة عمل آمنة.. والحبس والغرامة حال المخالفة

لملايين الملاك والمستأجرين.. هل يجوز طرد المستأجر حال اكتشاف تنازله لأخر عن "العين" بعقد صورى؟.. المشرع لم يجيز الإخلاء متى ثبتت صورية هذا التصرف

هل هناك فرق بين الطلاق للضرر والطلاق للهجر؟.. المشرع حدد 3 فروق و3 ملاحظات.. و9 أنواع للضرر.. وخبير تُجيب عن الأسئلة الشائكة


الأكثر قراءة



print